آسيا وبراءات الاختراع
تـُعرف براءة الاختراع بأنها حق امتياز خاص يمنح بشكل رسمي لمخترع في فترة زمنية محددة مقابل سماحه للعامة بالاطلاع على الاختراع. وهذا الحق الذي يــُمنح لصاحب الاختراع يعني في حقيقة الأمر منع الآخرين من صناعة أو استخدام أو عرض أو بيع ذلك الاختراع دون الحصول على إذن مسبق وموافقة رسمية من صاحب البراءة.
وفيما يتعلق ببراءات الاختراع العالمية لعام 2012 حصدت دول شرق آسيا المراكز السبعة الأولى ضمن قائمة العشرة الأوائل. فعلى حين ذهب المركز الأول للولايات المتحدة بفضل شركة آي بي إم 6487 براءة، حلّت كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية مباشرة عبر شركة سامسونج للإلكترونيات 5081 براءة، ونالت اليابان المراتب الثالثة والرابعة والخامسة، عبر شركات كانون 3174 براءة و''سوني'' 3031 براءة و''باناسونيك'' 2613 براءة على التوالي. وعاودت أمريكا الظهور في المركز السادس، عبر شركة مايكروسوفت 2613 براءة، والمركز العاشر عبر شركة جنرال إلكتريك 1652 براءة. كما عاود اليابانيون الظهور في المركز السابع عبر شركة توشيبا 2447 براءة، وعادت كوريا الجنوبية لتظهر مجددا في المركز العاشر عبر شركة إل جي للإلكترونيات 1624 براءة. أما تايوان فاحتلت المركز الثامن بفضل شركة هون هاي بريسيجن العسكرية 2013 براءة.
وإذا ما تجاوزنا المراتب العشر الأول، فإننا نجد أيضا حضورا متميزا للشركات الآسيوية ولا سيما اليابانية منها، إذ ذهبت المرتبة 11 إلى شركة فوجي 1535 براءة، والمرتبة 12 إلى شركة سيكو 1461 براءة، والمرتبة 13 إلى شركة هيتاشي 1436، والمرتبة 14 إلى شركة ريكو 1410 براءات، والمرتبة 19 إلى شركة تويوتا 1275 براءة، والمرتبة 23 إلى شركة هوندا 1132 براءة، والمرتبة 24 إلى شركة شارب 1118 براءة، والمرتبة 44 إلى شركة ميتسوبيشي 696 براءة، والمرتبة 45 إلى شركة فوجي زيروكس 686 براءة. كما احتلت المراكز 43، و47، و50 شركات كورية جنوبية، في حين ذهب المركز 47 إلى شركة تايوانية. خلاف ما سبق، نجد كندا في المرتبة الـ29، وألمانيا في المرتبة الـ30، والسويد في الـ35، وهولندا في الـ36، والصين في الـ40، وفرنسا في الـ49.
هذا ما خلص إليه البيان الذي تنشره شركة آي إف آي كلايمز سنويا منذ عام 1955، الأمر الذي يؤكد مجددا حقيقة دامغة هي أن العالم يتجه شرقا من بعد عقود من اتجاهه نحو الغرب. وفيما يتعلق بالغرب الأوروبي فإن النتائج الباهتة التي حققها مقارنة بالشرق الآسيوي على نحو ما استعرضناه في الأسطر السابقة، ربما كانت هي الدافع وراء استعجال دول الاتحاد الأوروبي في أواخر العام الماضي في الاتفاق على شهادة براءة الاختراع الأوروبية الموحدة من أجل حماية أفضل الاختراعات في أوروبا وبتكاليف أقل، علما بأن هذه الدول اختلفت على تفاصيل الاتفاقية لمدة 30 عاما، بل إن دولتين منها (إيطاليا وإسبانيا) ما زالتا تقاومانها، وفضلتا البقاء خارجها، احتجاجا على حصر ترجمة براءات الاختراع في اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
أما بالنسبة لوضع العرب، فالأفضل للمرء ألا يتحدث عنه لأنه مخجل ومحبط جدا. فتكنولوجيات العصر كما كتب جهاد الخازن في صحيفة ''الحياة'' اللندنية 19 كانون الثاني (يناير) 2013 صارت في رحلتها من الغرب إلى الشرق ''تمر فوق رؤوسنا في الشرق الأوسط، من دون أن تتوقف عندنا ولو لإعادة التزود بالوقود للرحلة الطويلة''. ويضيف الخازن ساخرا كعادته ''أين كنا والتكنولوجيا ترتحل شرقا، ربما كان الأمر أنها عبرت بعد الظهر ونحن نيام. وبعضنا يقول إننا نيام حتى وعيوننا مفتوحة لأن العقل نائم أو في غيبوبة''. وللإنصاف فإن هذا لا يعني عدم وجود عقول عربية تستطيع مجاراة عقول الآخرين شرقا وغربا في الاختراع والابتكار، وإنما يعني عدم توفر البيئة النموذجية، والتشريعات المحكمة، والدعم الرسمي، وغيره من متطلبات وحوافز الإبداع، مما يدفعها إلى الهجرة بعيدا إلى أوطان تستغل مواهبها وتنسب اختراعاتها لنفسها.
وقد سبق أن أكدت وكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية ''آي إف آي'' ظاهرة توجه العالم شرقا كظاهرة غير مسبوقة في تاريخ العالم المعاصر من خلال تقرير استراتيجي حمل عنوان ''اتجاهات عالمية 2030: عوالم بديلة''. وهي لئن حذرت في هذا التقرير من ظهور عالم جديد برؤوس متعددة قوية في مجال براءات الاختراع والتكنولوجيات المتقدمة، متخذة من توسع وبروز شركة لينوفو الصينية العاملة في مجال الكمبيوترات المكتبية والمحمولة وسواها كدليل، فإنها أكدت من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة ستظل في المدى المنظور (رغم كل أزماتها وتراجع أداء اقتصادها) قوة لا يستهان بها في هذا المجال بفضل شركاتها العاملة في المعلوماتية، وعلى رأسها شركة ''آي بي إم'' الشهيرة. فهذه الشركة العالمية، التي اشتهرت باختراع أول كمبيوتر مكتبي في التاريخ، سجلت رقما قياسيا في عدد براءات الاختراع تجاوز ربع مليون براءة. وتلي ''آي بي إم'' في الأهمية، بطبيعة الحال، شركتان أمريكيتان هما: ''جوجل'' صاحبة مؤشر البحث الأشهر على الإنترنت، والتي زادت براءات الاختراع المسجلة باسمها بنسبة 170 في المائة خلال عام، ثم شركة ''أبل'' صاحبة ''الآيفون'' و''الآيباد''، التي حققت زيادة في براءات الاختراع بنسبة 68 في المائة.
وتقرير وكالة الاستخبارات هذا، لا يمكن التشكيك فيه لأنه أعد بقصد التحذير لمن يعنيه الأمر في واشنطون من احتمال خسارة الولايات المتحدة مستقبلا لموقعها الرائد لجهة براءات الاختراع الخاصة بصناعة المعلوماتية ووسائطها، وإن كانت اليوم تتمتع بما لا تتمتع به غيرها من الدول لجهة كونها مالكة لاقتصاد فريد من نوعه، وقدرات تصديرية هائلة، ومخزون ضخم من المواد والسلع الرئيسة في التجارة العالمية (قمح، دواء، سلاح)، ناهيك عن سيطرتها على مصادر المواد الخام للصناعة في العالم، واعتماد جلّ دول المعمورة على عملتها في المبادلات التجارية.
ويمكن القول، إن ما يجعل الأمريكيين والغربيين عموما متوجسين هو ما صدر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (منظمة تابعة للأمم المتحدة أطلقت في عام 1978 بهدف تفعيل معاهدة للتعاون حول تسجيل براءات الاختراع وحمايتها، وتضم في عضويتها 177 دولة و161 منظمة غير حكومية كمراقب) في عام 2011 من أن الصين قد عززت موقعها في تسجيل براءات الاختراع برفع مستواها بنسبة 29.7 في المائة خلال عام، فيما شهدت الولايات المتحدة انخفاضا بنسبة 11.4 في المائة في الفترة ذاتها (وإن احتفظت بالموقع الأول عالميا بتسجيلها 45800 براءة اختراع، أي خمسة أضعاف ما سجلته الصين). وقتها قال المدير العام للمنظمة فرانسيس غري إن تلك الحقائق تشير إلى شيء واحد هو ''الأداء القوي لدول شرق آسيا التي باتت شركاتها تدرك أن الابتكار هو الطريق الأنجع للخروج من أزماتها''.