الغرب يراجع حساباته .. فماذا عن العرب؟

أمضيت في بريطانيا عدة أيام لإجراء مقابلات حول كتابي القادم عن الإعلام، ولغرض ترويج المجلة العلمية التي أحررها، والتي تعنى بشؤون ممارسات الإعلام وتأثيرها في المجتمع. وكانت الزيارة فرصة ذهبية لحضور منتدى جامعة أكسفورد للإعلام، والاستماع والمشاركة في النقاشات الحادة والمهمة التي جرت فيه، وشارك فيها وزراء وأعضاء برلمان وكبار المسؤولين في الحكومة البريطانية، إضافة إلى حشد من الإعلاميين بينهم رؤساء تحرير ومديرو شركات إعلامية كبيرة.
أزور بريطانيا مرارا، وتاريخ علاقتي بهذا البلد يعود إلى عام 1972 عندما كنت طالبا لفترة قصيرة في جامعة ردنك القريبة من أكسفورد. ولكن كان لزيارتي الأخيرة وقع كبير علي، لأنني لأول مرة وبعد أربعة عقود من الارتباط الثقافي مع هذا البلد، رأيت أن هناك سعيا حثيثا وجديا لمراجعة كل الحسابات التي بنت عليها بريطانيا سياساتها حتى الآن وفي مختلف الاتجاهات اقتصادية، اجتماعية، سياسية كانت أو غيرها.
هذه الدولة ومعها أغلب الدول الغربية الأخرى ومن ضمنها أمريكا تدخل العقد الثاني من القرن الـ 21 بذهنية مختلفة ومراجعة للذات في محاولة جادة لاكتشاف الموقع الذي تحتله اليوم في عالم يتغير بسرعة كبيرة صارت فيه مسألة تكوين الثروة - عماد الحضارة الحديثة - ليست حكرا على الغرب كما كان سابقا.
وللتأكيد أن زمام الأمور، ولا سيما الاقتصادية منها، لم يعد حكرا على الغرب ظهر من خلال الدراسات الاقتصادية الحديثة - وهذا ما نوه إليه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في خطاب مهم ألقاه أثناء وجودي في لندن، وجرت مناقشته في المؤتمر - فإن ثروة الأمم تضاعفت منذ دخولنا القرن الـ 21. وبحساب بسيط فإن هذا يعني أن قيمة الخدمات والبضائع التي ينتجها العالم صارت ضعف ما كانت عليه عام 2000.
منذ بروز الثورة الصناعية في نحو منتصف القرن الـ 18 كانت أغلبية الزيادات في ثروات الأمم تأتي من الدول الغربية. ولكن ما حدث بعد عام 2000 قلب كل الموازين، حيث تضاعفت ثروة الأمم، بيد أن الزيادة المذهلة هذه وفي فترة قصيرة كهذه، لم يكن للغرب فيها إلا دور هامشي.
أغلبية الزيادة في قيمة الثروة في العالم - التي تضاعفت منذ عام 2000 - كانت من نصيب جنوب شرق آسيا، ولا سيما الصين وكوريا الجنوبية إضافة إلى الهند. مارد اقتصادي بدأ ينافس ويبز الغرب - لا بل يجعل منه بقعة متخلفة - مقارنة بالقابلية الهائلة لتكوين الثروة.
وهذا التحول في بوصلة التراكم في ثروة الأمم جعل من دول غربية مثل بريطانيا وغيرها تبدو كأن قدرتها على المنافسة اضمحلت. وهكذا دعا ديفيد كاميرون شعبه إلى الوقوف والتأمل في المستقبل ومراجعة النفس وكل الحسابات، لأن استمرار الأمور على ما هي يعني بداية النهاية لدولة الرفاهية التي يتباهى بها البريطانيون بصورة خاصة، والغربيون بصورة عامة.
هناك تغيرات جذرية في الأفق وبعضها كان في الإمكان التحسس به، وأنا أسير في شوارع لندن وأقرأ صحفها وألتقي بعض مسؤولي الإعلام فيها. الكل يحضّر نفسه لعالم قد تغير والكل يريد ألا يخسر موطئ قدمه فيه.
الكل هناك تقريبا يتحدث اليوم عما يجب فعله للمساهمة في تكوين الثروة وزيادتها وإعادة تأهيل المجتمع لمنافسة الصين والهند.
هذه كانت زيارتي الوحيدة التي لم يرد فيها ذكر للدول العربية وللنفط والصراع الإسرائيلي - العربي، أو ما يقع في بعض دول الشرق الأوسط من زلازل كما هو الحال في سورية ومصر وغيرهما. هذه الدول لا مساهمة تذكر لها في تكوين وخلق الثروة ويبدو أن الغرب سيهمشها.
الغرب في مرحلة حرجة ولكن ما يطمئن المواطنين هنا هو أن الحكومات مدركة وساعية للتغير لمواكبة المتغيرات.
وللمقال صلة..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي