انخفاض فاتورة الأخطاء الطبية في المركز الوطني للمعلومات الصحية (1)
لم يبق سوى أسابيع، ويغلق عام كامل صفحاته على مرور 12 شهرًا من انتهاء مؤتمر ''التحديات في صحة المرأة''. في ذلك المؤتمر ألقيت ورقة علمية كنت قد نوهتُ عنها في مقال لي نشر بعنوان ''برامج لتقليص الأخطاء الطبية'' في هذه الصحيفة عدد 6744 بتاريخ 29/3/2012. كان للورقة العلمية تأثير بالغ على الحضور، ومن المؤكد أن الأرقام تركت أثرًا في نفوس المسؤولين عن القطاع الصحي بأن تكون المعطيات سببًا في التحرك الإيجابي نحو تقليص هذه الأخطاء، بل والسعي لتلافيها مع مرور الوقت.
الاقتراحات دارت حول إيجاد مخارج ومسارات يمكن بها تقليص الأخطاء الطبية، وكان منها الاهتمام بالمرجعية الموحدة للأرقام، وابتكار آلية تقنية حديثة، تساعد في تنفيذ المطلوب. الآن وقد أصدر مجلس الوزراء الموقر بتاريخ 26/11/12م قرارًا بإنشاء المركز الوطني للمعلومات الصحية، ليكون تحت مظلة مجلس الخدمات الصحية، فإن الكثير يجب أن يتم خلال هذا العام؛ وذلك لأهمية التحرك في هذا الاتجاه ونحو جميع الاتجاهات الصحية دون تردد. وسواء كان NCHI أو NHIC أو غير ذلك، فهذا يعود للجان العلمية المتخصصة في اللغة والترجمة بالمشروع والسياسات التي ستُقَرّ.
إن وجود مركز وطني للمعلومات الصحية يعتبر توجهًا موفقًا نجحت فيه الأجهزة الصحية طلبا وتحقيقًا. ونتمنى أيضًا أن يكون عملاً وإنتاجًا. ولكن العمل الآن مُنصَبّ على كيفية أخذ دوره الفاعل بعد أن انتشرت المرافق الصحية مختلفة الوظائف على رقعة كبيرة في الاتجاهات الأربع من وطننا الغالي، وبأعداد لا يمكن الاستهانة بها في ظل النمو الذي تشهده المملكة، ولله الحمد. هذا المركز سيعنى عن قرب جدًا بمسألة الأخطاء الطبية، بل وسيكون مفتاح معالجتها واستئصالها أو تقليصها لأقل النسب عالميا؛ حيث بالانطلاقة السريعة المتوازنة يمكن تحقيق ذلك ــــ بإذن الله ــــ.
مبدئيًا، هذا التنظيم سيشهد انحسارًا، بل تغييرًا في توجيه آلية نقل وتبادل البيانات Interoperability بين المرافق الصحية وجهاتها المرجعية، سواء العسكرية منها أو المدنية. كما أن التوزيع والانتشار الجغرافي حسب المناطق الإدارية سيلغي المركزية ظاهريًا ليبقي تدفق البيانات مزدحمًا في اتجاه موقع التحليل والدراسات وإصدار التقارير وهو المركز. كل ذلك يتم لضمان سرعة النقل وتطوير الأداء فنيًا وتقنيًا وتخفيف الأعباء المالية على المديين القصير والطويل، وصناعة القرار بتقنين وتنظيم عال. الأبحاث المنشورة حول تغيير الإدارة في مراكز المعلومات في ظل سلطة التقنية المتعاظمة منذ الستينيات أصبحت تركز على الشأن الصحي بالذات في السنوات العشر الأخيرة؛ حيث هناك كم هائل يمكن للجنة المعنية بمناقشة المشروع أن تخصص فريقًا متخصصًا لذلك، ومن ثم يكون هناك أساس لنماذج عدة يتم دراستها ومقارنتها لاختيار الأنسب والأفضل. هذا طبعًا لا بد أن يكون في إطار أخلاقيات العمل حيويًا عمومًا وطبيًا على وجه الخصوص Bioethics& Medical Ethics؛ حيث إذا لم يكن هناك تشريع كامل في هذا المجال فحري بالمجلس الموقر أن يكون هذا المركز نقطة البداية لوضع لبنات تؤسس لتنظيم عملي مهني متخصص محترف. فالسعودية في المنطقة تعد متقدمة جدًا في المجال الطبي والمعلومات الصحية. وإذا ما عَززت التقنية وضع الخدمات الصحية وتقديمها، فإن واقع النظام الصحي سيكون أنموذجًا مثاليًا يمكن تطبيقه عربيًا، وإسلاميًا أيضًا ــــ بإذن الله ــــ. لذلك فالتشريع الخاص بسياسات المعلومات كنظام متكامل، يضم فيه الاعتبارات الخاصة بالمعلومات الصحية، يعول عليه تنظيم أعمال الكثيرين وتقنين سياسات وإجراءات العمل في كل مرفق صحي، وحتى مراكز صنع القرار في نظامنا الصحي.
هذا يعني أن أعضاء مجلس الخدمات الصحية (جهات أو أجهزة) سيعملون على وضع نموذج للتكامل يضمن حركة البيانات وجمعها وتحليلها وإعداد قواعد البيانات لجعل الفائدة متبادلة. وذلك في سبيل تحقيق أربع أهداف على أقل تقدير: (1) التنظيم الصحي والفاعلية الخدمية لسلامة المجتمع وصحته ككل؛ حيث يحقق كل جهاز عسكري أو مدني أقصى درجات العناية بكفاءة، (2) التطوير التقني المستمر وهو فاعل، وحبذا لو أن التشاور المستمر وتبادل المصالح يكون قانون العمل في الارتقاء بجميع الخطوات المؤدية للنظم المتكاملة فعلاً، (3) الاهتمام الدائم بتوجيه الإنفاق الحكومي عبر مراقبة سلوكيات الجهات والمرافق (كمنشآت) وتحقيق الأهداف الاقتصادية للمشروع دون تعارض بين تحقيق أهداف كل جهاز، (4) الإدارة الاستراتيجية للأجهزة على وجه الخصوص والقطاع عمومًا للاستفادة المثلى من الموارد والبرامج المختلفة. لكل من هذه الأهداف وغيرها مسيرة طويلة لتحقيقها، لكن استعداد المرافق الصحية تقنيًّا (قبل جهاتها التابعة لها) سيكون الداعم الأساس لإنجاح المشروع.
إن من متطلبات فاعلية الإنجاز لمشروع مركز معلومات متخصص كهذا، هو الاهتمام بالموارد البشرية. فهو يعتبر أول عنصر يفعل حركة المركز ويوجهها في الاتجاه الصحيح. فمع أهمية المشرفين والمديرين والوكلاء، إلا أن أهمية التنفيذيين الممارسين للمهن المختلفة في القطاع الصحي، حتى في سجلات المعلومات الصحية، تفوق أهمية بعض القوى العاملة ممن ضمتهم طبقات الهرم. هذا لأنهم هم من سيقدمون المعلومات بالصيغ التي ستبنى عليها القرارات على مستوى المملكة. وهذا في حد ذاته يعد محورًا حساسًا يمكن أن يستغرق المركز فيه وقتًا طويلاً لتنظيمه، وتحقيقه، والتأكد من وضعه حسب الأسس العلمية والإدارية الصحية المتعارف عليها. وللحديث تتمة.