رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لماذا نرفض قانون جلاس - ستيجال الثاني؟

قبل ثمانين عاماً تقريبا، تم تعيين فرديناند بيكورا المساعد السابق للمدعي العام لمدينة نيويورك في منصب كبير مستشاري لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي لشؤون العمل المصرفي والعملة. وفي الأشهر التي تلت تعيينه، كشفت جلسات استماع لجنة بيكورا بصورة مثيرة عن كثير من الممارسات التي أدت إلى الأزمة المالية في ثلاثينيات القرن العشرين.
كما أدى التحقيق الذي أجرته اللجنة إلى إصلاحات بعيدة المدى ــ وأكثرها شهرة قانون جلاس - ستيجال، الذي فصل بين الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية. ولكن قانون جلاس- ستيجال لم يقف عن ذلك الحد. فقد أنشأ التأمين الفيدرالي على الودائع المصرفية. فمع النظر إلى العمل المصرفي المجمع (حيث يتم تنفيذ كل العمليات في مقر قائم بذاته) بوصفه غير مستقر، بات من المسموح للبنوك بإنشاء فروع على نطاق أوسع. كما عمل قانون جلاس- ستيجال على تعزيز قدرة الجهات التنظيمية على تضييق الخناق على الإقراض بغرض المضاربة في العقارات أو سوق الأوراق المالية.
كما أدت الجلسات إلى تمرير قانون الأوراق المالية لعام 1933 وقانون بورصة الأوراق المالية لعام 1934. وكانت الجهات المصدرة للأوراق المالية والمتاجرون فيها مطالبين بتقديم المزيد من المعلومات، كما كانوا خاضعين لمعايير شفافية أعلى. وكانت فكرة قدرة أسواق رأس المال على تنظيم نفسها مرفوضة بكل حزم.
والواقع أن التناقض مع ما يجري اليوم مذهل. فلتقل ما شئت عن قانون دود- فرانك لعام 2010، ولكنه في واقع الأمر نسخة مختلطة ضعيفة وفقاً لمعايير ثلاثينيات القرن العشرين. ففي الاستجابة لما يُنظَر إليها على نطاق واسع باعتبارها الأزمة المالية الأشد خطورة منذ ثمانين عاما، كان تأثيره ضئيلاً للغاية فيما يتصل بتغيير بنية النظام المالي الأمريكي وتنظيمه.
والتفسير هنا ليس أن المصرفيين كانوا أقل تنظيماً في ثلاثينيات القرن العشرين. فقد أعربت رابطة المصرفيين الأمريكيين عن قلقها بشأن الرسوم التي تُلزَم البنوك بدفعها، وعارضت بشدة التأمين على الودائع. كما أدانت رابطة مصرفيي الدولة، التي كانت تنتمي إليها أكثر البنوك المجمعة، البنود المصممة لتسهيل إقامة الفروع على مستوى الولايات.
كما لم يكن من الواضح أن المصرفيين كانوا يعانون من قدر أعظم من الدعاية السلبية. صحيح أن لجنة بيكورا كانت مثيرة، ولكن من الصعب أن نزعم أن الغضب العام الذي أثارته كان أعظم من ذلك الذي استُقبِلت به عمالة وال ستريت عندما أدلوا بشهاداتهم أمام لجنة التحقيق في الأزمة المالية عام 2010.
وعلى نحو مماثل، تم اقتراح أكثر من مائة مشروع قانون خاص بالتأمين على الودائع الفيدرالية في الأعوام الخمسين السابقة. وقد وافق المجلس على أحد هذه المشاريع والذي شارك النائب هنري ستيجال في رعايته. أو بعبارة أخرى، كانت الفكرة مدروسة من قبل بالفعل.
ولكن هذا يتجاهل حقيقة مفادها أن ستيجال لم يكن عاشقاً لزيادة إنشاء الفروع على نطاق واسع، وهو ما كان يضر بمصالح البنوك الصغيرة. من جانبه، عارض جلاس التأمين على الودائع. ولم يتم تمرير مشروع القانون النهائي إلا عندما اتفق رعاته على الجمع بين التأمين على الودائع وتنظيمات مصرفية جديدة على نحو ينشئ حزمة تعطي شيئاً للجميع.
وفي بعض الحالات، كان الإصلاحيون وكأنهم يدفعون باباً مفتوحا، وكانت بنوك مثل ناشيونال سيتي وتشيز ناشيونال قد أعلنت بالفعل عن تصفية شركات الأوراق المالية التابعة لها. فانهار الاكتتاب، وكانت البنوك على أتم الاستعداد للخروج من أعمال الأوراق المالية. وكان فصل قانون جلاس - ستيجال بين العمل المصرفي التجاري والاستثماري ببساطة بمثابة المصادقة على تحول كان جارياً بالفعل.
وفي المقابل، كانت البنوك الكبيرة أثناء الفترة 2009-2010 لا تزال تحاول الحفاظ على مجال أنشطتها القائم. وكان هذا سبباً في دفع الصناعة إلى مقاومة الجهود الرامية إلى كبح جماح ممارسات مثل المتاجرة في أملاك الشركات.
وفي نهاية المطاف، لن ينجح أي تفسير وراء مرور إصلاحات مالية بعيدة المدى سوى شدة الأزمة. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، كانت أزمة الكساد الأعظم سبباً في تعجيز الاقتصاد بالكامل. ولم تكن الحاجة إلى إصلاحات جذرية وفرعية محل إنكار. ولكن على النقيض من ذلك، نجح صناع القرار السياسي بعد عام 2008 في منع الأسوأ، الأمر الذي أدى إلى استبعاد الشعور بالحاجة الملحة الذي أحاط بجلسات استماع لجنة بيكورا. والمفارقة المطلقة هنا هي أن هذا النجاح ذاته كان سبباً في نقص الإصلاح.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي