الأسواق الجانبية .. زحام ومخاطر
تتصدر ظاهرة بيع الخضار والفاكهة في الشوارع، منذ سنين، عناوينَ الوسائل الإعلامية بحثاً عن حلول جذرية، ولكن لا تزال مستمرة لهذا اليوم. هل بعد زيادة الميزانية، وتوظيف الشباب في المؤسسات المدنية كافة، لا نزال نحتاج لفهم واقع الأسواق الجانبية؟ لقد أصبحت الظاهرة نمطاً حياتياً يمكن أن يتقبله المجتمع، وهو في شكله ومضمونه أخطار مركبة، تجمع بين السلامة المرورية، والصحة العامة، والوضع الاقتصادي، إضافةً إلى التأثير على المظهر العام لشوارع المدن، التي صُرفت عليها المليارات.
على مدى ثلاثة أشهر ماضية، وفي ثلاث مدن كبيرة، تزايدت أعداد بسطات الخضراوات والفواكه على جوانب الطرق والشوارع مكرسة لظاهرة تستحق أن تُدرس لنتفهّم أسباب استمرارها في وضعنا الاقتصادي المفترض أن يكون الأمثل. فكثير من الشوارع تنتشر ''الأسواق الجانبية'' بالباعة المتجوّلين الذين يسوّقون الخضار والفواكه على أنها طازجة وبأسعار مخفضة وبمتناول يد الصغير والكبير وفي وسط المناطق السكنية. هذه المشكلة أشبعت طرحاً ولكن لا تزال مستمرة، ما يعني أن الحلول التي اتخذت حيالها ليست واقعية، أو أن التنفيذ يشوبه خلل. إن عملية المصادرة والمخالفة وإتلاف البضائع أو التبرع بها لم يثن الباعة عن القيام بالمهمة اليومية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأمن الغذائي وأمن الطرق وأمن المجتمع والأمن الفكري.. إلخ.
في التقرب من بعضهم ميدانياً وجدت أن هناك نمطاً معيناً للظاهرة بدا في أواخر العام الهجري مستمراً لبضعة أشهر من أول العام، ثم تلاشى بشكل كبير ليظهر مرة أخرى، وتُعاد الكرّة كل عام. إضافةً إلى السعوديين تتعدد جنسيات الباعة، وهو أمر يثير الأسئلة في كل جانب. أسباب البيع في مواقع غير آمنة، مثل أرصفة الشوارع، بل على جنبات الطرق، هي: ''الرزق الحلال'' و''الدخل المضمون!'' و''حرية الذات في الحركة'' و''عدم القناعة بدفع إيجار'' و''المعرفة بما يتم بيعه وشراؤه'' و''اكتساب الخبرة في البيع والشراء''.. وبعض الأسباب الأخرى غير المتداولة بكثرة. هم يتواجدون في بعض الشوارع مع أن المنطقة ليست مكتظة بالسكان، أو لا تتوفر بها محلات لبيع الخضار والفواكه. لم تعد المواقع مثل جوار المساجد أو المدارس أو غير ذلك هي النقاط الشائعة للبيع، فقد تغير النمط وأصبح بشكل يدعو لفهمه بإمعان، لأن كثيراً من هذه البسطات يمكن أن يتواجد أمام محلات الخضار والفواكه. التنافس جعل بعضهم يقتطع من الشارع 3-5 أمتار، ما يشكل عائقاً للمرور والتسبب في حوادث كفانا الله شرها. لم نعد نرى الأطفال بين هؤلاء الباعة، وهذا لعله يبشر بخير. ولكن ظهر بعض الشباب السعودي الذي يبيع النعناع وأنواعه العشبية المختلفة، كأنهم ''ويكيبيديا'' متحركة يشرحون فوائد النعناع و''الحبق'' و''العطرة''.. إلخ. هذا النوع من الثقافة دخل إلى هذا النوع من المتاجرة بما ينمّ عن تطوير في المنطق التجاري، ولكن على مستوى ''الشارع''. لا تزال مصادر الخضار والفواكه وسلامتها غذائياً غير معروفة أو مضمونة، وبعضها قد يكون فاسداً، كما حدث أن وجدت ذلك في بعض الأحيان ولكن لا يستطيع الزبون أن يجعل منها قضية لأنه هو الذي اشترى من موقع غير مرخص ولا مرجع له أو لبضاعته. التغليف والنقل والتسويق والبيع عمليات مهمة في أنواع التجارة كافة، ولكنها غائبة هنا، فما يرى أحياناً لا يمكن تصديقه للعارف بضوابط ولوائح البلديات في هذا الموضوع.
من الناحية ''المرورية''، فما تسببه من زحام، وبعض الأحيان، من حوادث لا تزال ظاهرة مصاحبة لكيان هذه الأسواق الجانبية، بل إنها قد تمتد إلى المشاجرة وبعض الإصابات وتنقلب لمشكلات شخصية. أما من ناحية هيئة الأكشاك أو السيارات التي يتم البيع فيها فهي أحيانا صناديق بدون عجلات أو أبواب تجهز للبيع يومياً، وكأن التحدي قائم بأن هذا المحل التجاري فكرة تسويقية جديدة.
من الناحية النظامية والتجارية، هل هذا فشل لنقاط البيع الرئيسة لأن مواقعها غير مدروسة؟ أم أن التهرب من المراقبة اليومية ودفع الإيجارات والتكسب البدائي غير الصحي من جملة أسباب استمرار هذه الفقاعة؟ هل الطرق أصبحت أسواقاً موسمية مفتوحة لكل مرتادٍ ومستخدم يعجز التنظيم عن التوافق معها وأسباب نشوئها؟ هل المراقبة الميدانية موسمية؟ هل نحتاج إلى الكاميرات وأجهزة القياس اليدوية الحساسة أم يكفي النظر واللمس، ومن ثم التربيت على الأكتاف؟ هل يمكن أن نجدهم يوماً يحملون ترخيصاً مؤقتاً أو مخصصاً لمثل هذه الأنشطة في مواقع معينة؟ هل هذه التجارة فعلاً مربحة؟ لأن بعض الباعة السعوديين عملوا في أكثر من شركة ولم يستقروا فيها أكثر من أسابيع.
إن التوزيع بهذه الكمية الكبيرة المكشوفة المعرّضة لكل العوامل البيئية المختلفة، لتعني أننا أمام بقايا لشؤون تحتاج لتدخل حازم من أجل ''الصحة العامة'' و''السلامة المرورية'' و''الثقافة الاجتماعية'' و''التنظيم التجاري''. ما يمكن أن نفكر فيه يجب أن يكون محور دراسات علمية فاعلة ومؤثرة بتوصياتها القابلة للتطبيق والنماذج العملية المقترح تطبيقها بالاشتراك مع الجامعات ومراكز البحث المعروفة ليتم إغلاق هذا الملف غير الحضاري.