رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التنمية في إطار الغموض وعدم المساءلة

بريطاني متقاعد ينشئ هو ومجموعة متقاعدين من الجيش البريطاني فرع المملكة المتحدة (بريطانيا) منظمة الشفافية الدولية ويتخصص في مكافحة الفساد في قطاع الدفاع على مستوى الوزارات والشركات المنتجة للأسلحة والمعدات العسكرية وخدماتها، ويحقق هو ومجموعته تقدماً كبيراً في تحديد أنواع الفساد المحتملة، بل الواقعة في وزارات الدفاع والشركات المتعاقدة معها ووضع مرجعيات علمية لكشفها والحد منها ومساءلة مرتكبيها.
هذا الرجل يقول بكل بساطة نكافح الفساد وآثاره بالشفافية والحد من الغموض، ذلك أن الغموض يؤصل لعدم المساءلة، الذي بدوره يحفز على الفساد بكل أنواعه، فالنفس البشرية تندفع نحو تحقيق المكاسب الشخصية وإن كانت على حساب المصالح العامة متى ما فقدت معايير التقييم والمساءلة ومتى ما كانت الأمور سائبة، ويؤكد من وجهة نظره أن وزارات الدفاع تعدّ الأكثر غموضاً لاعتبارات السرية، وبالتالي القابلية لتكون الأكثر فساداً، ولذلك فهو يعمل في مكافحة الفساد في هذا المجال ذي الصفقات المالية الكبرى، وذلك للحد من الفساد الذي يعدّ من أكبر عوائق التنمية في أي بلد كانت، لأنه ينحرف بالاتجاهات الاستراتيجية ويبدد الموارد ويضعف كفاءتها.
من حديث الرجل التقطت أن الشفافية في جميع الوزارات والأجهزة والقطاعات غير العسكرية كبيرة جداً، والغموض في أدنى درجاته، فالخطط واضحة والأهداف محددة والوسائل معلنة، وكذلك الموارد ومؤشرات التقييم والتقويم، والكل يخضع للمساءلة لأي تقصير يقع وأي تحايل أو اختلاس للمال العام تحت أي مبرر كان.
يقول هذا الرجل ''إن المؤشرات المرجعية ومؤشرات المقارنة تعمل بفاعلية في الدول الغربية لتحقيق أعلى درجات الشفافية سواء على مستوى المدخلات أو العمليات أو النتائج في أي جهد حكومي أو خاص أو أهلي كان، فالمقارنات وفق قواعد علمية مرجعية بين الإنجاز والمخطط متاحة للجميع، وكذلك المقارنات مع الدول الأخرى من حيث المدخلات والعمليات والمخرجات في أي مجال كان متاحة للجميع، وهي مؤشرات ذات أبعاد معرفية وتوعوية وضغط وتحفيز ومساءلة ولا مجال للتقليل من شأن تلك المؤشرات والطعن فيها لتبرير التخلف أو التأخير أو الفشل، ولا مجال للتهرب من المسؤولية والمساءلة من قِبل كل قُوى المساءلة، سواء المجتمع أو الإعلام أو القانون.
التنمية هي الانتقال من حال إلى حال أفضل بموارد معيارية، وكي يكون المواطنون والقائمون على مؤسسات المساءلة على بينة يجب أن يعرفوا الوضع الحالي والوضع المستهدف وصفياً وكمياً في أي مجال يراد تنميته والموارد اللازمة لذلك، مقارنة بالموارد المعيارية التي تم التوصل إليها من إنفاق الدول الأخرى لتحقيق هذا القدر من التنمية في هذا المجال.
لنأخذ مثالا: لو تحدثنا عن قطاع النقل وأردنا تنميته ليكون في مصافّ إحدى الدول المتقدمة كبريطانيا على سبيل المثال، يجب أن نعرف؟؟؟ أن نقف الآن والفجوة التي نريد معالجتها والموارد اللازمة لذلك، بما في ذلك مورد الوقت الذي بات مورداً حاسماً لاعتبارات عديدة في زمن يأكل فيه الأسرع الأبطأ، وعلينا أن نعرف متوسط تكاليف هذا القدر من التنمية من خلال تجارب الدول الأخرى، وأن نعلن ذلك على الملأ دون خوف أو وجلٍ من فشل أو تأخير، وأن نضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم لتحقيق الإنجاز المستهدف وفق الجداول الزمنية المعلنة دون أعذار، وفي حال الانحراف عن الجداول الزمنية في أية مرحلة كانت يتم التدخل والمساءلة والمعالجة العاجلة.
السؤال: هل هذا ما نعمل به في بلادنا أم أن الغموض سيد الموقف، وأن التنمية اتجاه وصفي معلن ينقصه إعلان الأهداف الوصفية الكمية المُزمنة وبرامجها التنفيذية وتكاليفها مقارنة بالتجارب الأخرى ومؤشرات التقييم ووسائل التقويم؟ لا أخفيكم، كل مواقع الوزارات والأجهزة الحكومية لا تعلن شيئا من ذلك، والإعلان يقتصر على البرامج والمشاريع التنفيذية وتكاليفها وحجم الإنفاق الذي تبذله الدولة دون مقارنات، وهو وضع يشي بشيء كبير من الغموض ويفتح الباب للتكهنات والشائعات بشأن فساد كبير يضرب بأطنابه في تلك الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية ليس أقلها ضعف التخطيط الذي يقول ديوان المراقبة، إنه السبب الرئيس في تأخر آلاف المشاريع عن مواعيدها المعلنة.
الغموض المولد لبيئة فساد مثالية - ومع الأسف الشديد - يضرب أطنابه في مؤسسات القطاع الخاص، خصوصاً المساهمة المقفلة والمتداولة ذات الصلة بالكثير من المساهمين الذين أعرف منهم من يمتلك أسهم شركات مساهمة مقفلة لسنوات طويلة ولم يتسلم ريالا واحدا كأرباح لغموض الموقف وضعف موقفه كمالك للقليل من الأسهم مقارنة بكبار الملاك، ودائما ما يردد أن كبار الملاك يوزعون العقود بينهم ليستولوا على الأرباح كتكاليف عقود لشركات يملكونها، ومثل هذا كثير.
مؤسسات المجتمع المدني تعاني هي الأخرى الغموض حتى بات الكثير من المتبرعين يحجمون عن التبرع لعدم الثقة بالقائمين عليها ومدى إيمانهم بالفكرة وتفانيهم في أدائها وفق أفضل المناهج الإدارية، بل إن الكثير من المتبرعين يقولون إن هذه المؤسسات تُدار بطرق هي أقرب للدروشة من الفنون الإدارية، وإن القائمين عليها يمنحونها فضلة أوقاتهم ويباشرون مهامهم دون تخطيط وتنظيم ومؤشرات أداء تقيس مدى التقدم في تحقيق الأهداف، لذلك الكثير منها يراوح مكانه لسنوات طويلة إذا لم يتراجع كما هو حال الكثير.
ختاماً إذا كانت الرأسمالية كنظام اقتصادي - يعمل في إطار الديمقراطية كنظام سياسي - قادرةً على طرح المفاهيم الجديدة التي تعدّ حاجةً مُلحةً لمعالجة مشكلاتها، كمفهوم الشفافية، لمعالجة الفساد والحد من آثاره وإيجاد الآليات الإجرائية والقانونية لتطبيقها بفاعلية، فما سبيلنا كنظام اقتصادي رعوي ذي مصدر دخل رئيس وحيد لمعالجة مشكلة الغموض والفساد في الوقت المناسب لتحقيق التنمية المستدامة المستهدفة في الوقت المناسب دون عوائق قاتلة؟ سؤال أتطلع إلى أن تجيبنا عنه وزارة الاقتصاد والتخطيط تكرماً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي