إمدادات الولايات المتحدة من النفط .. أين نحن الآن؟

في وقت مبكر من هذا الشهر أصدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أحدث توقعاتها بخصوص مستقبل الطاقة على المدى القصير، حيث قامت بتحديث توقعاتها السابقة لعامي 2013 و2014، التغيير الرئيسي في توقعاتها الحالية لعام 2013 مقارنة بسابقتها كان بخصوص إمدادات النفط الأمريكية، الذي شكل استمرارية لارتفاع إنتاجها من النفط على مدى السنوات الأربع السابقة. في هذا الجانب تشير أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إلى أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة ارتفع بنحو 2.48 مليون برميل في اليوم على مدى السنوات الأربع الماضية، وتتوقع الإدارة حاليا أن يرتفع إجمالي إمدادات النفط الأمريكي في عام 2013 و 2014 بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم. وبذلك يصل الارتفاع التراكمي لإنتاج النفط الأمريكي من عام 2008 حتي 2014 إلى نحو 4.1 مليون برميل في اليوم، في ضوء ذلك يشير التقرير إلى أن إجمالي إنتاج النفط الأمريكي سوف يصل إلى 12.65 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2014.
في تقريرها السابق، كان من المقرر أن ترتفع إمدادات الولايات المتحدة من النفط بنحو 670 ألف برميل في اليوم في عام 2013، وهذا الرقم يمثل تخفيضا طفيفا في وتيرة النمو التي شهدها في عام 2012. لكن التوقعات الأخيرة لا تتضمن أي خفض في وتيرة نمو الإمدادات عن العام السابق، حيث تتوقع حاليا أن ينمو إنتاج النفط من الولايات المتحدة بنحو 920 ألف برميل في اليوم في هذا العام. هذا المعدل من النمو على الأرجح سوف يكون العامل الرئيسي في تحديد اتجاه أسواق النفط في عام 2013. لنكون أكثر دقة، العامل الرئيسي هو قدرة أسواق النفط على استيعاب المزيد من إنتاج النفط الأمريكي بهذا الحجم. إن كميات الإنتاج الإضافية على مدى السنوات الأربع الماضية لم تخلق أي فائض في الإمدادات على المستوى العالمي، لكن هل سيبقى هذا الحال صحيحا خلال العامين القادمين؟
من مجموع الزيادة المتوقعة في الإمدادات المقدرة بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم، نحو 1.5 مليون برميل في اليوم منها سوف تكون من النفط الخام، تقريبا معظم هذه الزيادة سوف تأتي من ارتفاع إنتاج النفط من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، ومن طبقات السجيل الغازي الغنية بالنفط في ولاية تكساس, خلال السنوات الأربع الماضية وحتى الآن، تم استيعاب الكميات الإضافية من إنتاج النفط من طبقات الرمال المحكمة من دون التأثير في أسعار النفط العالمية. في الحقيقة جميع النمو في الإمدادات النفطية من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خلال الفترة من عام 2008 وحتى عام 2012 كان من أمريكا الشمالية وحدها، في حين أن الإمدادات النفطية من باقي المناطق انخفضت بنحو 0.2 مليون برميل في اليوم خلال نفس الفترة في ضوء تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في حين أن الانخفاض خلال العامين الماضيين فقط كان نحو 1.15 مليون برميل في اليوم.
من ناحية أخرى، نما الطلب العالمي على النفط بنحو 3.6 مليون برميل في اليوم على مدى السنوات الأربع الماضيات، لو أضفنا انخفاض الإمدادات من خارج دول منظمة أوبك عدا أمريكا الشمالية، تصبح الفجوة في الإمدادات المطلوب توفيرها من أمريكا الشمالية ودول منظمة أوبك نحو 3.8 مليون برميل في اليوم. أمريكا الشمالية ساهمت وحدها بنحو 2.8 مليون برميل في اليوم منها نحو 2.5 مليون برميل في اليوم من الولايات المتحدة فقط. لغرض تحقيق التوازن بين نمو الطلب ونمو العرض، كان على منظمة أوبك رفع إنتاجها من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي بنحو واحد مليون برميل في اليوم.
السؤال الرئيسي الذي تم طرحه اعلاه، بخصوص القدرة الاستيعابية لأسواق النفط للفائض في الإمدادات يقودنا إلى التساؤل: هل سوف يكون عام 2013 وعام 2014 امتدادا لواقع أسواق النفط الذي ساد خلال الفترة من 2008 إلى 2012؟ أو بعبارة أخرى : هل سيكون لنمو إمدادات الولايات المتحدة المقدرة بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم على مدى السنتين القادمتين، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تأثير مختلف عن النمو الذي حققته بالفعل على مدى السنوات الأربع الماضية؟
إعادة احتساب التوازن التقريبي الذي أجريناه أعلاه على أساس تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، النتائج سوف تكون كالتالي: الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يرتفع بنحو 2.3 مليون برميل في اليوم خلال عامي 2013 و2014 مجتمعا، في حين أن إمدادات النفط من أمريكا الشمالية من المتوقع أن ترتفع بنحو 2.05 مليون برميل في اليوم، منها نحو 1.6 مليون برميل في اليوم من الولايات المتحدة والباقي من كندا. قيام دول منظمة أوبك بخفض إمداداتها من النفط الخام خلال العامين المقبلين سوف يعتمد على أداء باقي المناطق من خارج أوبك وخارج أمريكا الشمالية. في هذا الجانب شهدت تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تحول جذريا في توقعاتها، لقد تراجعت الإمدادات النفطية من خارج منظمة أوبك عدا أمريكا الشمالية بمعدل 1.15 مليون برميل في اليوم خلال عامي 2011 و2012 في ضوء بيانات الإدارة، في حين أن تقديراتها الحالية تشير إلى نمو بمعدل 0.77 مليون برميل في اليوم خلال عامي 2013 و2014 معا. إذا ما حدث ذلك، فعلى منظمة أوبك خفض إنتاجها من النفط الخام أو من السوائل الأخرى بمعدل 0.5 مليون برميل في اليوم للمحافظة على التوازن في الأسواق. على الرغم من أن هذا السيناريو ليس في مصلحة المنظمة، إلا أنه في الوقت نفسه ليس بالمعضلة الكبيرة، حيث إن المنظمة قد قامت في السنوات الأخيرة بخفض كميات أكبر من ذلك بكثير من أجل تحقيق التوازن في أسواق النفط. بالإضافة إلى ذلك قد لا تتحقق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بخصوص نمو الإمدادات من أمريكا الشمالية ومن باقي المناطق الأخرى خارج منظمة أوبك كما هو متوقع لها، كما حدث دائما خلال الأعوام السابقة، إلا فيما عدا حالات نادرة جدا.