وظيفة الضرورة .. ظروف وإنتاجية متردية
تقدر البطالة في المملكة بما يزيد على المليونين، وما من شك أن هذا الرقم كبير جداً في بلد كبلادنا يزخر بخيرات وفيرة، ولو قدر وذكر هذا الرقم لشخص من خارج الوطن لتعجب، وزاد عجبه، ولا غرابة في تعجبه وغيره، إذ لا أحد يستوعب وجود هذا الرقم الكبير من العاطلين في بلد كالمملكة، التي تمتلئ بالعمالة الوافدة من كل حدب وصوب.
كثيراً ما أقرأ منذ سنوات أن هيئة السياحة ستوفر مئات الآلاف من الوظائف، وكذلك مجال الحراسات الأمنية، حتى إن آخر خبر قرأته في هذا الشأن توافر 500 ألف وظيفة في الحراسات الأمنية. وذكر الخبر مميزات، أو هكذا اعتبرها الخبر، حيث ذكر أن الراتب لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال، ورفع مستوى الأداء من خلال دورات تدريبية، وزيادة مهارات العمل، والوعي الاجتماعي، وتنفيذ اللوائح، وهذه أمور جيدة، إذ إن مستوى التأهيل الذي يقوم به من يعمل في مجال الحراسات الأمنية يسهم في جودة العمل، ويقلل من المشكلات التي قد تقع، وهذا مكسب محقق لبيئة العمل وللفرد القائم بالعمل، حيث يجنبه الكثير من المشكلات التي قد تحدث عند التعامل مع المراجعين ومرتادي المكان الذي يقوم على حراسته.
إذا كان الخبر الذي قرأته، وهو خبر حديث، خاصة ما له علاقة بالراتب، فهذا أمر محزن، إذ إن الرواتب كما يقول الخبر سترفع مع بداية السنة المالية إلى ثلاثة آلاف ريال. إذاً كيف هو الوضع الآن؟ وماذا نتوقع من أداء وانضباط وحسن تعامل وأمانة لمن يعمل براتب أقل من ثلاثة آلاف ريال، خاصة مع الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة الصعبة؟
تساءلت وأنأ أقرأ هذا الخبر: هل كل الباحثين عن عمل يرغبون في مجال الحراسات الأمنية أم أن ظروفهم وتأهيلهم يجبرهم على ذلك؟! وكما يقول المثل "مكره أخاك لا بطل"، كما تساءلت أيضاً: هل من الممكن أن يفكر المجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية في إعداد الشباب في مجالات أخرى غير الحراسات الأمنية؟ رغم أهمية هذا المجال، لكن مع انخفاض الرواتب لا أعتقد أن الأداء لهؤلاء العاملين سيكون بالشكل الذي نؤمله، ومن يعمل في هذا المجال في الوضع الراهن يعمل فيه بصورة مؤقتة، على أمل الانتقال إلى مجال آخر أفضل في مميزات الراتب وغيرها في ظروف العمل.
من يعملون في مجال الحراسات الأمنية بشر ولهم أسر وعليهم مسؤوليات، لذا لا بد من التفكير في كل ما يؤمن لهم حياة كريمة تسهم في إخلاصهم في العمل وأدائه بالشكل المطلوب مثل التأمين الطبي، وتوفير أجهزة ومعدات تساعد على أداء العمل بالشكل الصحيح، إضافة إلى توفير ما يضمن سلامتهم من الأخطار التي قد تدهمهم وهم في بيئة العمل.
من مشاهداتي أينما ذهبت أن هؤلاء يعملون في بيئات عمل شاقة دون أن توفر لهم غرفة مناسبة، أو بوابات تفتح أوتوماتيكياً، بل توفر لهم أدوات بدائية كبراميل يحركونها للدخول والخروج، أو حبال يرخونها ويشدونها، وما إلى ذلك من أدوات تكشف عن عدم رغبة الشركات العاملة في هذا المجال في أداء العمل بالشكل الصحيح، ووفق أساليب الأمن الراقية، بل إن همّ هذه الشركات الحصول على المال حتى ولو كان على حساب العمل، وجودته، وعلى حساب صحة وسلامة من يقوم بالمهمة.
في ظني أن العقود التي توقع مع هذه الشركات يفترض أن تنص صراحة على الأدوات الواجب توفيرها، وعلى حقوق العاملين في الحراسات الأمنية بدلاً من تركهم فريسة لشركات لا همّ لها سوى الحصول على العقد دون الالتزام بما يجب، وبما يخدم العمل بالشكل المناسب، ويحفظ كرامة ومصلحة من يعملون في القطاع، كما أن من مشاهداتي التعامل السيئ وعدم الاحترام من قبل البعض، حيث يستخف بتعليماتهم، بل يتلفظ البعض عليهم بألفاظ قاسية، إن لم يتم الاعتداء عليهم.