رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مجلس الشورى من قوة التمثيل إلى قوة التأثير

يمثل الأمر الملكي بإشراك العنصر النسائي في عضوية مجلس الشورى استجابةً فاعلة للمعطيات على أرض الواقع، فقد أصبحت المرأة السعودية على قدر من الثقافة والعلم والوعي والجسارة في طرح الأفكار والحلول الاقتصادية والاجتماعية. الحديث عن هذا النضج الفكري والمكانة الاجتماعية للمرأة السعودية يأتي في إطار مفاهيم العصر والحضارة الإنسانية، وإلا فهي مكان تقدير واحترام بالتزامها الشرعي وحشمتها وخلقها الكريم وإسهاماتها في التربية الاجتماعية على مرّ التاريخ. والمتأمل لفلسفة الشريعة الإسلامية في العلاقة بين الرجل والمرأة يجد أنها تنطلق من مفهوم العدالة وليس المساواة كما في الغرب، وهذا أمر ضروري يجب أخذه في الاعتبار في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما يعني أن للمرأة حقوقا سياسية واقتصادية واجتماعية متميزة عن حقوق الرجل، وأن هذا الاختلاف في طبيعة تلك الحقوق يؤكد أن المرأة هي الوحيدة القادرة على فهم وتقدير وتحقيق حقوقها. من هنا كانت مشاركتها في مجلس الشورى أمراً ضرورياً من الناحيتين العملية والحقوقية، لأن الرجل لا يمكن أن يمثل المرأة من منطلق مفهوم العدالة وليس المساواة. هذا لا يلغي أن هناك أموراً مشتركة، سيكون لعضوة مجلس الشورى إسهام في توجيه جهود المجلس حتى الارتقاء بأدائها وفاعليته. ومن تجربتي في التعليم الجامعي كعضو هيئة تدريس ما يقارب ثلاثة عقود أستطيع القول، وبكل ثقة، إن الطالبات في كثير من الأحيان يتفوقن على زملائهن الطلاب جداً واجتهاداً وحرصاً وانضباطاً ومبادرة واندفاعاً للتميز. لذا يجب أن نقدر عضوية المرأة في مجلس الشورى، ليس فقط لتمثيل جنسها، لكن مواطنة متميزة يمكن أن تثري النقاش وتطرح أفكاراً جديدة وجريئة تدفع نحو آفاق أوسع للتنمية الوطنية. فقط تلك العقول المتخلفة ومحدودة التفكير التي تختزل المرأة في جنسها ولا يلتفت لعقلها وفكرها وثقافتها وخلقها وجهدها وتضحياتها الكبيرة، وإن كان هناك قصور في المرأة فهو بسبب ظلم وجهل وتسلط الرجل واحتقاره لها بما يخالف الشرع والمنطق والفطرة السوية. إن تضييق الخناق على المرأة يمنعها التفكير الجاد في شؤون الأمة ولا يتيح الفرصة لطرح آرائها في القضايا الوطنية لتتحول بعد ذلك إلى الاهتمام بالشكل لُبساً وألواناً وزينةً في فراغ ثقافي. لقد حان الوقت للنظر للمرأة على أنها مورد مهم للأفكار وعنصر أساس في عملية التنمية لا يسعنا تعطيله وعدم الاستفادة منه. إن الدول المتقدمة استطاعات تحقيق تقدمها لأنها استخدمت مواردها البشرية المادية بكفاءة وفاعلية، لذا لا يصح أن تبقى المرأة على هامش التنمية ولا يستفاد منها. هذه ليست دعوة للانفلات الأخلاقي والتحرر من المبادئ، لكن تحرير المرأة من الجهل الاجتماعي وانعتاقها من التصورات الذكورية الخاطئة بإعادة التفكير في ثقافتنا الاجتماعية من خلال فهم واضح لمقاصد الشريعة وتعاليمها، الضامن الوحيد لاحترام المرأة وتقدير فكرها وجهدها في تربية المجتمع.
وعلى الرغم من أن التمثيل النسائي في مجلس الشورى يعزز قدرته على استشفاف الرأي العام إلا أن ذلك لا يكفي، فالمجلس في حاجة إلى توسيع دوره في الرقابة والمحاسبة. المطالبة بتوسع سلطات المجلس ليس ترفا سياسيا، إنما ضرورة تحتمها الظروف المستجدة التي تستلزم تطوير عملية صنع القرارات العامة لتكون أكثر كفاءة وفاعلية واستجابة. إن الوضع الإداري الذي يعتمد على نهج المركزية الشديدة والتنظيمات البيروقراطية يعجز عن الوفاء بمتطلبات التنمية وتطلعات المواطنين. فعلى الرغم من الإنفاق السخيّ للدولة إلا أنه ما زالت هناك مشكلات اجتماعية واقتصادية وحضرية، مثل: الفقر، والبطالة، والسكن، والازدحام المروري، تتطلب حلولا واقعية وحاسمة، فالأجهزة البيروقراطية تفتقد الرؤية المشتركة في معالجة المشكلات الوطنية التي تتصف بدرجة عالية من التعقيد والتداخل وتتطلب حلولاً شمولية. وهنا يتضح دور مجلس الشورى في لملمة هذا التشرذم الإداري ووضع استراتيجية وإطار عام للعمل الحكومي يقود في نهاية المطاف إلى تحقيق أهداف التنمية. كما أن هناك انفلاتاً بيروقراطياً، حيث إن البيروقراطيين ينعمون بحصانة من المساءلة والمحاسبة، وبالتالي يكون تركيزهم على الحصول على أكبر قدر من المخصصات المالية دون إلزامهم بالربط بين هذه المخصصات والتأثير النهائي لها. إن تمكين مجلس الشورى من الرقابة النيابية بناء على تشريعات وسياسات واستراتيجيات توجه البيروقراطيات العامة وتكون بمثابة بوصلة للعمل الحكومي، سيرتقي بالأداء ويقلل من مستوى الفساد الإداري ويسهم في النمو الاقتصادي والتلاحم الاجتماعي والانتماء السياسي. لقد حان الوقت لتطوير دور مجلس الشورى ليكون أكثر قدرة على معالجة المشكلات، ويتحول من دور المناقشة وتقديم المشورة إلى دور أكثر فاعلية وتأثيرا مباشرا في القضايا الوطنية والحياة المعيشية للمواطن. إن موضوع توسيع سلطات وصلاحيات وأدوار المجلس يحتل أولوية تفوق مسألة انتخاب الأعضاء على أهميتها. ولعل ضم العنصر النسائي للمجلس مؤشر نحو تطوير صلاحياته وأدواره، خاصة أن تجربة المجلس أصبحت أكثر نضجاً للانطلاق نحو آفاق أوسع في العمل النيابي في إطار الثوابت الوطنية وتوجهات القيادة السياسية ممثلةً في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز في تحقيق الإصلاح والتنمية الإدارية والسياسية والاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي