هل تفيد تجربة العمالة الأجنبية السويدية دول الخليج؟
استحوذ موضوع العمالة بصورة عامة على حيز كبير من هذا العمود. وأظن أن الموضوع يستحق ما منحناه من اهتمام. العمالة بأشكالها المختلفة هي العمود الفقري لاقتصاد أي بلد. ولهذا ترى أن دولا في مصاف العمالقة في الاقتصاد العالمي ترتجف حكوماتها إن زادت نسبة البطالة 1 في المائة مثلا.
والعمالة هي محور نقاشات ساخنة في بلد الحرمين ودول الخليج العربي الأخرى. وبقراءة متأنية لما يدور من خطاب حولها سواء من قبل أصحاب الشأن أو الإعلام لاستنتجنا وجود شرخ خطير في تركيبة العمالة في هذه الدول.
والشرخ هذا باد للعيان وأثره السلبي اقتصاديا وثقافيا ودينيا لا يمكن نكرانه. ولكن أثره الاجتماعي والسياسي له أبعاد أخطر بكثير مما يُتصور.
اجتماعيا، أدى إلى ظهور طبقة عمالة وطنية ومن صنف واحد - طبقة الموظفين. وهذه طبقة غالبا ما تتميز بالبطالة المقنعة والاتكالية، والاثنان يشكلان عبئا كبيرا على الاقتصاد والتنمية وتوطين الحلقات الإنتاجية.
وسياسيا، أدى إلى ترسيخ ممارسات لا توائم ما هو دارج ومقبول في نُظم تطبيق معايير المدنية وحقوق الإنسان. الزائر إلى أي مركز للسكن أو تجمع العمالة الأجنبية في هذه الدول يصعق من تردي الأوضاع الإنسانية فيه، وهناك مسائل كثيرة أخرى تتعلق بالحقوق والواجبات.
إذا، لماذا يسكت الغرب المتشدق بحقوق الإنسان عن أوضاع العمالة الأجنبية في هذه الدول ويسيّر الجيوش ويصدر قرارات ويفرض حصارات إن تعلق الأمر بأماكن أخرى؟ الغرب منافق من الدرجة الأولى عند تعلق الأمر بحقوق الإنسان غير الغربي.
اليوم يغض النظر عن الوضع العام للعمالة الأجنبية في الخليج لأسباب نفعية وسياسية. الوضع القائم يؤمّن الكثير من مصالحه الاقتصادية وغيرها. بيد أن ملف العمالة الأجنبية موضوع في المجر وستخرجه إلى العلن متى ما شعر الغرب أن مصالحه النفعية في خطر أو لم يعد لها لزوم. وأنا أرى، وبتواضع، أن ملف العمالة الأجنبية أخطر ملف تواجهه دول الخليج العربية.
وهذا الملف خطورته من الحدة، حيث قد لا تفيد تجربة دول أخرى في التعامل معه ومنها السويد، لماذا؟ لأن في بعض دول الخليج العربي صار المواطنون أقلية صغيرة والأجانب الأكثرية الساحقة. أية معالجة للملف من حيث النظرة السويدية الإنسانية المستندة على قوانين المدنية الحديثة وحقوق الإنسان، ستؤدي إلى زوال هذه الدول كما نعرفها اليوم من الناحية الديموغرافية.
المشكلة هي أن الاعتماد على العمالة الأجنبية صار أمرا مصيريا في هذه الدول. أي تقليص كبير لحجمها سيؤدي بدوره إلى انتكاسات في العملية الإنتاجية والدخل القومي الإجمالي وتوقف بعض حلقات الاقتصاد.
السويد فيها أجانب يبلغ عددهم مليونا ونيفا. ولكن هؤلاء لا يقعون في خانة "العمالة الأجنبية" بمفهوم دول الخليج العربي. هؤلاء مواطنون جرى توطينهم ودمجهم في المجتمع من خلال برامج حديثة ومتطورة أساسها تعلم اللغة الوطنية، حيث تنفق الحكومة مليارات الدولارات على تدريس الأجنبي وتأهيله من النواحي: الثقافية، الاجتماعية، السياسية، العلمية، الفنية، التربوية، والقانونية كي يصبح عضوا فاعلا ومؤثرا في المجتمع.
الأجنبي في السويد وبعد فترة قصيرة يصبح "مواطنا سويديا من أصل أجنبي" له كل حقوق وواجبات المواطنة شأنه شأن أي سويدي آخر. وهذا ما حدث لأغلبية الأجانب الذين قدموا للسويد إن سعيا للعمل أو هربا من اضطهاد. الفنلنديون والعراقيون والشيليون والكرواتيون والسوريون والصوماليون والأفغان وغيرهم يحصلون على المواطنة ويدخلون سوق العمل كمواطنين. والذي لا يكتسب صفة المواطنة عليه مغادرة السويد.