رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أعطني حريتي ..

من أسوأ التسميات الحديثة التي تطلق على الزواج تسميته (القفص الذهبي)، وغالبا ما يبارك للشاب بقول "مبروك دخولك القفص الذهبي"، ولا أدري لماذا أتخيل بلبلا مكسور الجناح يغرد بشجن في قفص ذهبي بمجرد ذكر هذه التسمية!
حين سألوا إحدى الفتيات عن سبب هذه التسمية، أجابت: لأن المرأة "تقصقص جناحي" الزوج، فيصبح مثل عصفور في قفص لا يستطيع الطيران كما في الماضي من شجرة لأخرى بعيدا عن قفصه، خاصة حين يرتبط بمسؤولية أطفال، وحين سألوا شابا، أجاب: لأن الزوجة لا ترتاح إلا حين يكون زوجها تحت ناظريها مسجونا في قفصه الذهبي، فهذه هي ضريبة الزواج أن يفقد الرجل حريته ويدخل مرغما قفصه الذهبي، ولذلك غالبا ما تغضب الزوجة وتثور حين ينبت "ريش" للزوج ويبدأ في السهر والخروج والسفر مع أصدقائه، مما يطيل فترة ابتعاده عن قفصه الذهبي!
يقول إيمانويل كانت: "لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد وكما يؤمن هو، ويعتقد أن هذا هو الأفضل لي وللآخرين، لأصبح فرحا وسعيدا. كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط ألا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته".
الزواج بمعناه الشمولي الحقيقي لا يعني استعباد كل طرف للآخر، وإلغاء شخصيته وكبت حريته وتقييد طموحه وأهدافه، وفرض حصار على أفكاره ورؤيته ونظرته للأمور، لمجرد إرضاء الطرف الآخر، وإلا أصبح الأمر استنزافا وضغوطا، ستكون لها آثار مدمرة على المدى البعيد.
الزوج يحتاج إلى مساحة من الحرية الجميلة للترويح عن نفسه، من خلال سهرة مع أصدقائه، أو رحلة بريئة، أو حتى خلوة مع نفسه، والزوجة كذلك تحتاج إلى الترويح عن نفسها من خلال زيارة صديقاتها، أو مزاولة نشاط معين تعشقه، أو خلوة مع نفسها، حتى تجدد نشاطها وقدرتها على إدارة مملكتها بروح مفعمة بالإيجابية والعطاء.
الزواج الحقيقي هو رحلة حرية ممتعة بين رجل وامرأة، يتنفسان خلالها الاحترام الجميل، خاصة حين يركز كل واحد منهما على إيجابيات الآخر وأروع ما فيه من صفات، مع غض الطرف عن السلبيات وعدم تضخيمها، يقول حبيبنا -عليه الصلاة والسلام-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"، لذا فإن انتقاد كل طرف للآخر وإبراز عيوبه "في الطالعة والنازلة" هو نوع من العقوبة، التي تهدد حرية الزواج النفسية.
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
الحياة الزوجية ليست قفصا ذهبيا، بل هي حقول واسعة ممتدة نحو الأفق البعيد، لكل واحد من الزوجين مطلق الحرية في تأمل زهورها الجميلة والعدو خلف فراشاتها الملونة وقطف سنابل قمحها الذهبية، الحياة الزوجية ليست محاكم تفتيش يتم توجيه الاتهامات فيها جزافا دون مراعاة للمشاعر، ولا شاشات مراقبة تحتضر على أعتابها طيور الثقة، ولا حملات مداهمة على الجيوب والجوالات بشكل مهين، يستفز كل معاني الاحترام لخصوصية الآخر.
وحين صرخ الشاعر إبراهيم ناجي يوما:
أعطني حريتي أطلق يديا
إنني أعطيت ما استبقيت شيئا
فذلك لأنه أحس بقيمة حريته وهي تحتضر على أعتاب عطاء لم يقدر أحد قيمته..!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي