الدولة .. والمسؤولية الاجتماعية للشركات
يوجد شبه اتفاق على أن المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR دور طوعي نابع من مسؤوليات المنشأة الخاصة، ممثلة في ملاكها وإداراتها ومساهميها تجاه المجتمع الذي تعيش فيه، وترتبط معه بعلاقات تجارية وتنموية مستديمة. إلا أن الحكومات وأجهزتها الرسمية تلعب دورا محوريا في توجيه هذه السياسات للتوافق مع الخطط الرسمية لتنمية واستدامة المجتمع من جهة ولتحقيق العدالة بين أفراد ومكونات المجتمع.
والمراقب للوضع القائم في المملكة يرى في هذا الوقت بونا شاسعا بين واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات وبين الوضع الافتراضي لها، يوازي ذلك ضعف ملحوظ في دور الحكومة وأجهزتها الرسمية، لفرض وتأسيس توجه متناسق مع خطط التنمية وما تنفقه الدولة عليها. كل هذا أثر بشكل مباشر في الوعي المجتمعي بطبيعة ومستلزمات هذه الشراكة المجتمعية، حتى أصبح المواطن لا يعي إن كان له شيء من الحقوق على مثل هذه الشركات.
في هذا المقال أسعى لمناقشة الدور المفترض لأجهزة الدولة الرسمية في البحث عن حقوق المستفيدين من المجتمع المحيط بمثل هذه الشركات، التي غاب بعضها عن قصد والبعض الآخر عن جشع أو جهل بحقوق المجتمع الذي تنمو وتقتات من خيراته.
من الأسئلة المهمة التي يجب البحث عن إجابة لها: هل تدعم الأنظمة والتشريعات المحلية تفعيل الدور الاجتماعي للشركات التي تعمل في إطار المجتمع المحلي، وهل تطالبها بضرورة وجود الحد الأدنى من البرامج الداعمة للشراكة التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة؟
أيضا من الملاحظ غياب أو ضعف الدور الذي تقوم به مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، في إشاعة الوعي بحقوق المجتمع على الشركات، وبتفعيل دور الشراكة التنموية بين المجتمع، ممثلا في أفراده وبين شركات القطاع الخاص أو شبه الحكومي. هذا الوعي يجب أن يرسخ من خلال نشر ثقافة الشراكة بين المجتمع بأفراده والشركات التي تسير في مركب واحد، يجب أن يحافظ الجميع فيه على علاقة وطيدة ومتآخية للحفاظ على سلامة هذا المركب للأجيال الحالية والقادمة.
بعض الحلول التي ناديت بها أو نادى بها كثير ممن تحدثوا عن ضعف وغياب الدور المجتمعي للشركات المحلية، يتمثل في تأسيس هيئة أو جهة شبه رسمية تعمل على رفع الوعي بثقافة المسؤولية الاجتماعية بين الأفراد والشركات وإداراتها، حتى يتم تفعيل هذا الجزء المعطل من ثقافة الشراكة المتبادلة.
أيضا تبني جائزة سنوية للأداء في إطار ما يتحقق من برامج تنشأ من خلال تبني مسؤولية مجتمعية حقيقية تسعى لتطوير المجتمع في المحاور المختلفة، التي سبق الحديث عنها في مقالات أخرى.
أجهزة الدولة الرسمية مطالبة بسن التشريعات الداعمة لتأسيس شراكة مجتمعية تفعّل الدور التنموي للشركات، هذه التشريعات تسهم في منح التسهيلات للشركات الفاعلة، ووضع القيود على بعض الأنشطة التي لا تقدم ما يشفع لها في تحقيق استراتيجية داعمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
ختاما، حتى يتحقق ذلك لا بد من التركيز على وجود جهة تتبنى وترعى المسؤولية الاجتماعية للشركات، ووعي ثقافي وحقوقي يفصل حقوق كل طرف، وأنظمة تسهم في إنجاح هذه الشراكة.