الأعشاب وتركيباتها .. عَجاجٌ أم عِلاج؟ (2 من 2)
كانت وما زالت الأعشاب سلعة تجارية مهمة لدى كافة دول العالم. لذلك تشترك الدول في استيرادها وتصديرها واستخدامها بنسب يحددها التعداد السكاني، والمعتقدات الدينية، والأعراف المتبعة في كل بلد، وكثير من الظروف الخاصة. ولكن الاستمرار في زراعة أنواع قد لا تتناسب مع تغيرات فسيولوجيا الأجسام البشرية، أو إنتاج فصائل وأنواع جديدة قد تتسبب في مضاعفات وزيادة للحالات المرضية، أو تركيب خلطات من شأنها أن تتدهور بها الصحة العامة، فهذا وضع نحن في غنى عنه. ويكفينا ما تمر به مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات من ظروف تكاد تغرقها في مسؤولياتها الجسيمة التي لا حصر لها. إضافة إلى ذلك، ضعف التنسيق بين أجهزتنا، الذي يحتاج إلى جودة شاملة في حد ذاته.
كنت أتمنى لو أن منظمة الصحة العالمية خرجت من ضبابيتها بالتوجه نحو تقعيد كل ما يتعلق بالأعشاب والتداوي بها. فمع إرجاعها غطاء الرعاية الصحية الأولية، يأمل العالم أن تُحدد أطر النظام الصحي ومسؤوليات الأجهزة الأخرى المختلفة، لمنع الاجتهاد والخطأ والشعوذة من الإضرار بالمجتمع صحيا. الغريب أنها كرست في فترة من الفترات جهودها في حسم مواضيع في التعليم الصحي، واستجابت بعض الدول لتوجهاتها. ولكن الآن ونحن أمام قضية يراد فيها الحسم، حيث يكون التمر والجمر والعسل والسم مختلطة في الإناء نفسه، فإننا نتطلع لجهود أكثر دقة وتمعُّناً في ظروف كل دولة، ووضع تصور نموذجي يمكن تبنيه لأنه يهتم بالأسباب والنتائج معا.
عموما لنهتم بشأننا المحلي ونتساءل: هل ستؤول مسؤوليتها لهيئة الغذاء والدواء أم لا بد أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟ من وجهة نظري لا بد أن تكون الهيئة هي المسؤولة، وذلك للأسباب التالية: (1) لقد كان ولا يزال دور الهيئة هو الحد من انتشار الأمراض والتوعية بها، بوضع الحدود المأمونة للمواد المضافة للأغذية أو الداخلة في صناعتها أو تعبئتها أو تغليفها. وتشديد الرقابة الميدانية والوثائقية للتأكد من سلامة ما يتناوله الناس كغذاء أو دواء. فلماذا لا تكون الأعشاب وخلطاتها مجالا يندرج ضمن مهام الهيئة في تقنين مسائل الغذاء والدواء على العموم، على أساس أن علم العقاقير ليس فقط مركبات كيميائية بل يشمل المستحضرات والمركبات المستخلصة من المواد العشبية سواء كانت خلطات أو مركبات نقية أو عصارات. (2) ما زال العلماء في اختلاف كبير حول مرجعية التداوي بالأعشاب والتسميات المطلقة عليه ضمن الطب البديل أو التكميلي، حيث هناك من يعترض أساسا على التسمية. (3) مع أن للفرد كامل الحق في أن يستشير أكثر من رأي، وأن يسأل من يشاء من الممارسين الصحيين فيما يتعلق بعلاجه، إلا أن التنظيم المتميز الذي ساد قطاعات الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة يحتم أن تكون هناك مرجعية متخصصة مفرغة لهذا التخصص باقتدار بعيدة عن الإشراف على العلاج السريري. (4) اهتمام هيئة الغذاء والدواء بتوفير المعامل المناسبة للتحليل والدراسة يجعلها الأكثر والأقرب أمانا ليكون هذا الموضوع برمته ضمن مهامها. (5) إصدار أي تعميم – الآن - يتعلق بتركيب كيميائي له علاقة بالأعشاب ومستخلصاتها من قبل هيئة الدواء والغذاء، يعني ازدواجية عمل مع المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، ولا بد من تفادي ذلك وتفريغ المركز لأداء مهامه باقتدار كما هو الحال للهيئة. (6) لا يمكن لأي جهة من الجهات التي تم ذكرها (البلدية والصحة والتجارة) أن تصدر معايير علمية في هذا الخصوص، لأن الخبرات تجمعت وامتدت العلاقات والارتباطات بين الهيئة والجامعات والمراكز البحثية بشكل علمي موثق وتخصصي لا يمكن إنكاره.
نحن بصدد المرجعية والتقنين المتخصص المبني على الدراسات والأدلة العلمية التي توقف كل دخيل على هذا المجال عند حده. أو يمكنه أن يتعلم ويحترف فيكون مرخصا للممارسة الآمنة. لذلك لا بد أن نولي موضوع "تأليف الكتب" في هذا المجال أهمية كبيرة. فلا بد أن تراجع وتدقق كل الكتب التي صدرت وتنتشر في السوق بطريقة غريبة. ولا يقبل أي نشر لإصدار جديد إلا بعد تمريره على لجان علمية متخصصة تكون الهيئة ممثلة فيها. من ناحية الإعلام المرئي ونشر المعلومات المغلوطة أحيانا أو التي لا تملك الدليل العلمي على صحة ما ذكر فيها، فحري بالجهات المتخصصة أن ترفع من وتيرة المراقبة والمتابعة للقنوات السعودية لوضع معايير وضوابط للاستشارات التلفزيونية.
ثم لا بد أن نشارك المستهلك أو الفرد همومه من حيث توفير إخصائيي التغذية المتمرسين لنشر الوعي الصحي، والتعميم بأنه لا ضمان لنجاح الخلطات مع كل الناس، فمنها ما يتخذ علاجا ومنها ما يصبح كالعجاج. من ناحية التجارة فبتقنين الاتصال بين الهيئة والتجارة يمكن تقنين الاستيراد والتصدير والتسعير والتخزين والنقل والاستخدام. هذا يعني أنه لا بد أن يوضع لمثل هذا الشأن قرار رسمي رفيع المستوى، لأن القصد فيه حماية المجتمع من الاجتهادات والتضليل والشعوذة في أمر لا مجال للتعامل معه إلا بالمنهج العلمي الحديث. هذا سيجعل من مجتمعنا مجتمعا واسع الأفق جيد الاختيار حسن التقدير حريصا في كل ما يتناوله لضمان سلامته.