إعادة النظر في توقعات الوقود الحيوي بأمريكا
بعد سنة صعبة على صناعة الوقود الحيوي العالمية، يتجه المعنيون بتوقعات مستقبل إمدادات الطاقة في الولايات المتحدة إلى إعادة النظر والتدقيق باحتمالات نمو الطلب على الوقود الحيوي في المستقبل. في هذا الجانب قامت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ضمن تقريرها الأخير عن مستقبل الطاقة بخفض توقعاتها للطلب على الوقود الحيوي في المستقبل، في الوقت الحاضر تشير توقعات إدارة معلومات الطاقة إلى أن حصة استهلاك الوقود الحيوي في مزيج السوائل الهيدروكاربونية الأمريكية سيرتفع من 3.5 في المائة في عام 2011 إلى 5.8 في المائة بحلول عام 2040، هذا الرقم يمثل انخفاضا كبيرا عن تقريرها للعام الماضي، الذي توقع ارتفاع حصة الوقود الحيوي إلى 10 في المائة بحلول عام 2035. التقرير الحالي يشير إلى أن إمدادات الوقود الحيوي من الولايات المتحدة ستصل إلى 1.43 مليون برميل في اليوم فقط بحلول عام 2040 من 520 ألف برميل في اليوم حاليا، أي بمعدل نمو سنوي 1.6 في المائة، في حين توقع تقرير العام الماضي وصول إمدادات الوقود الحيوي إلى 2.37 مليون برميل في اليوم في عام 2035.
على الصعيد العالمي، التوقعات بنمو إمدادات الإيثانول وأنواع الوقود الحيوي الأخرى مشابه إلى حد كبير، حيث يتوقع أن يستمر الوقود الحيوي في اختراق السوق والنمو بوتيرة سريعة إلى حد ما، لكن سيظل يشكل جزءا صغيرا ضمن مزيج وقود النقل بحلول عام 2040.
تقرير شركة إكسون موبيل لتوقعات الطاقة لعام 2040 الذي صدر أخيرا جاء مشابها إلى حد كبير لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأخير فيما يخص مستقبل الوقود الحيوي. حيث تبنى تقرير إكسون موبيل وجهة نظر أقل تفاؤلا لنمو إمدادات الوقود الحيوي، في هذا الجانب يشير التقرير إلى ارتفاع إمدادات الوقود الحيوي في المستقبل، لكن سيشكل 3 في المائة فقط من إجمالي استهلاك السوائل الهيدروكاربونية بحلول 2040. في الوقت نفسه يشير تقرير الشركة إلى انخفاض حصة النفط في مزيج وقود النقل من 95 في المائة إلى 89 في المائة خلال هذه الفترة، العامل الرئيس في ذلك هو النمو الكبير المتوقع من تحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل Gas To Liquids وليس نمو إمدادات من الوقود الحيوي.
هذه الأرقام تمثل إعادة تقييم كبيرة عما كان متوقعا قبل خمس سنوات فقط، عندما كان يتوقع للوقود الحيوي وللإيثانول على وجه التحديد مستقبلا مشرقا في الولايات المتحدة. في 2007 سنت الولايات المتحدة قانون استقلال وأمن إمدادات الطاقة، في ذلك الوقت كان الطلب على وقود النقل وأسعار النفط في تصاعد مستمر. لقد نص هذا القانون على زيادة نسبة الإيثانول في مزيج وقود النقل ليصل إلى نحو 2.35 مليون برميل يوميا (36 مليار جالون في السنة) كحد أدنى من أنواع الوقود البديلة والمتجددة بحلول عام 2022. واعتبرت في حينها أنواع الوقود البديلة العلاج الشافي لتقليل الاعتماد على واردات النفط والوقود الأحفوري.
لكن في الوقت الحاضر أساسيات الوقود الحيوي في الولايات المتحدة قد تغيرت لأسباب سياسية واقتصادية، حيث إن انتهاء الإعفاءات الضريبية للإيثانول في بداية عام 2012 والتقدم البطيء في تقنية الجيل الثاني من الوقود الحيوي قد ثبطت التوقعات على المدى الطويل. وقد تأثر قطاع الوقود الحيوي بشدة أيضا من جراء التغييرات الجذرية التي طرأت على أساسيات العرض والطلب على النفط والغاز.
لقد فرضت وكالة حماية البيئة الأمريكية مزج 10 في المائة من الإيثانول مع البنزين للسيارات والشاحنات الخفيفة كحد أدنى، لكن استمرار انخفاض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة ستكون له آثار كبيرة في الطلب على الإيثانول. لقد بلغ متوسط الطلب الأمريكي على البنزين نحو 9.3 مليون برميل في اليوم في عام 2007، لكن الطلب حاليا نحو 0.5 مليون برميل في اليوم أقل، وذلك بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة الوقود. إن فرض معايير كفاءة صارمة على السيارة الجديدة يعني أن استهلاك البنزين في الولايات المتحدة سيستمر في الانخفاض مع مرور الوقت. إن خفض الطلب على البنزين بصورة كبيرة مقارنة بالتوقعات السابقة من شأنه وضع قيود على نمو الطلب على الإيثانول.
على جانب العرض، التحسن الكبير في إنتاج النفط في الولايات المتحدة بعد عقود من التراجع على خلفية ارتفاع الإمدادات من مصادر الصخر الزيتي، قد قوض التركيز على الحاجة إلى أنواع بديلة من الوقود، في حين أن إمدادات الغاز الطبيعي الوفيرة والرخيصة الثمن جعلت من الغاز أكثر جاذبية كوقود للنقل في المستقبل. ببساطة كل هذا يعني أنه أصبح من الصعب على الوقود الحيوي، بل على غيره من أشكال الطاقة البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التنافس مع الوقود التقليدي.
التقرير الأخير لشركة إكسون موبيل لتوقعات الطاقة لعام 2040، يتوقع أن تنمو إمدادات طاقة الرياح، والطاقة الشمسية والوقود الحيوي بنسبة 5.8 في المائة سنويا حتى عام 2040، لا يزال هذا المعدل أقوى من أي معدل نمو لباقي قطاعات الطاقة، لكن أقل من توقعات الشركة لعام 2010 بأكثر من 4 في المائة، حيث كانت تتوقع أن تنمو هذه القطاعات الثلاثة بنسبة 10 في المائة في حينه. في هذا الجانب يشير تقرير الشركة إلى أن هذه الأشكال من الطاقة ستستمر في النمو بسرعة، لكن هناك حاجة إلى مزيد من التقدم التقني لزيادة الجدوى التجارية والاقتصادية لإنتاج هذه المصادر. ويضيف التقرير أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية من المتوقع أن تحققا نتائج أفضل من الوقود الحيوي، ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى كون التقرير يرى أن الفحم الحجري سيفقد حصة في السوق نتيجة للتغيرات المتوقعة في سياسات الطاقة، مثل إدخال سعر الكربون.