رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحياة نص هل نجيد قراءته؟

الحياة في ظروفها وعناصر تشكيلها وكل مجرياتها تمثل كلا متشابكا نحتاج إلى فهمه ووعي ما فيه من تداخلات، إضافة إلى القدرة على استيعاب ما يحدث فيها من أحداث وتقلبات وتغيرات سريعة ومفاجئة، وإن بدت بطيئة ومتدرجة في بعض الحالات: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".
الحياة بكل العناصر المتشابهة والمتناقضة والصغيرة والكبيرة الصغيرة التي تحتاج إلى مجهر ليكبرها حتى نراها، والكبيرة التي مع كبرها قد لا نقف عندها، ونتأمل فيها، بل تمر مر الكرام دون أن نأخذ الدروس ونستفيد منها. كم من الأحداث الجسام تحدث في عالمنا، ونسمع، ونقرأ ونشاهد مشاهد منها، ومع ذلك يكون تفاعلنا معها مؤقتا ومحددا بحدود وقت الحدث ثم لا نلبث أن ننسى، وكأن شيئا لم يكن.
النص أيا كان هذا النص صفحة في كتاب، أو مقالا في جريدة يشبه إلى حد كبير الحياة. ترى أين وجه الشبه بين الحياة والنص؟ النص يتكون من فقرات ومن جمل ومن كلمات ومن حروف. قد يقرأ هذا النص شخصان، ونسأل ماذا فهما من هذا النص؟ وقد نجد اختلافا بينهما في فهمهما، لما ورد في النص، الجمل، الفقرات، والكلمات، بل الحروف وراءها أفكار ومعان ودلالات، وهذه الأفكار والمعاني تتضمن مشاعر واتجاهات، وقيم، كلمة في النص يشعر واحد بالسعادة والفرح عند قراءتها، وآخر يشعر بالكآبة والضيق.
وجملة قد تكون سببا في تغير طريقة تفكير فرد ونمط حياته، بينما فرد آخر لا تحدث فيه الجملة أي أثر، بل يقرأها وكأنه لم يقرأها.
الحياة بمشاهدها المتنوعة والمتناقضة وأحداثها وتغيراتها وحلوها ومرها، ومتاعبها تشبه النص بكل ما فيه من عناصر، ومن تشابه وتناقض، فهل نحن نقرأ الحياة بالكيفية التي نقرأ بها النص؟ إلى حد كبير قد يكون الأمر كذلك، وإن بدا لنا النص جامدا وغير متغير، إلا أنه ليس كذلك، هو جامد لمن لا يتفاعل معه، لكنه حي وحيوي لمن يغوص في أعماقه ويوجه تفكيره ومشاعره نحوه، أما من يقرأ النص، وقد ترك جانبا مشاعره وأفكاره فمن المؤكد لن يخرج بأي شيء من النص، ولن يتأثر به، لأنه جاء للنص بحاسة البصر أو السمع، لكن العقل والمشاعر لم تكن حاضرة.
الأفراد والدول يختلفون في قراءة المشاهد والنصوص، وعلى قدر الفهم الصحيح للحدث أو النص تكون النتائج، فالقراءة الصحيحة التي لا لبس فيها، ولا عملية تأويل، أو تفسير خاطئ للحدث، أو النص تكون نتائجها حل المشكلات، وتجاوز العثرات، لكن القراءة الخاطئة يترتب عليها استمرار المشكلات وتراكمها واستفحال آثارها، لو تأملنا واقع بعض الأفراد أو الدول والأمم لوجدنا أمثلة غنية، فهذا فرد يكون مرّ بمشكلة أو أزمة يتأمل فيها وفي أسبابها، وما آلت إليه حياته فيأخذ العبرة والدرس، ومن ثم تتغير حياته في حين أن آخر قد يمر بالظرف نفسه أو المشكلة نفسها لكن لا أثر لهذا في حياته، لذا تتكرر المشكلات وتتراكم وتستمر في وضعه، بل تسوء سوءا ويتدهور أكثر.
وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، فكم من دول تمر بظروف متشابهة تستفيد إحداها من الظروف وتغير واقعها وتساير المستجدات، لكن دولا أخرى لا ترى في هذه الظروف مناسبة للتغير، وتستمر على ما هي عليه، حتى إن الجمود يكون سمة بارزة في هذه الدولة أو تلك ومن ثم تفاجأ بأحداث كارثية لا مثيل لها بتجاوزها أو تفادي أخطارها وما يترتب عليها من مصائب.
إن ما نشهده من تحولات وتغيرات في عالمنا العربي نص، منا مَن أحسن قراءته والاستجابة لمتطلباته، ومنا مَن أخفق في القراءة، أو ربما لم يحاول ظنا منه أنه خارج دائرة الحدث والتأثير. فهل نقرأ النص أو المشهد ونحسن قراءته، أم نقرأه دون وعي وتأمل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي