رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مَن ضرب أستاذ الجامعة؟

تناقلت وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية مطلع الأسبوع الماضي حادثة قيام ثلاثة من الملثمين بالتعدي على أستاذ جامعي وإشباعه ضربا. فقد ذكرت ''الوطن'' أن أستاذا جامعيا في كلية الهندسة التابعة لجامعة الملك خالد تعرض لاعتداء من أشخاص ملثمين أمام منزله في أبها، ما أدى إلى إصابته بإصابات مختلفة. وتم إبلاغ الجهات الأمنية بالواقعة، ويجري العمل على ملاحقتهم. كما أكد مصدر أمني لـ ''الوطن'' أن المعلومات الأولية لدى الجهات الأمنية لم تؤكد أن المتهمين بالاعتداء طلاب من عدمه، فيما تم تكثيف الجهود وصولا إلى ضبطهم.
ورغم أن القضية لم تتضح معالمها بعد ولم تتبين فصولها حتى حينه وهل الذين قاموا بهذا العمل طلاب أم لا؟ إلا أن وضع طلابنا في الجامعات لا يسر ولا أظنهم بعيدين عن هذه الواقعة وإن كانوا براء منها فلن يترددوا في فعلها مستقبلا فهم مؤهلون لأكثر من ذلك لأن الجامعات لم تعد حكرا على النخب من الأساتذة والطلاب. فكل من يحمل مؤهل الثانوية العامة له الحق بالظفر بالمقعد الجامعي نتيجة التوسع غير المدروس في التعليم العالي حتى أصبحت الجامعات تتفاخر في السنوات الأخيرة بأنها قبلت ما يفوق طاقتها الاستيعابية ونتيجة لذلك اضطرت الجامعات إلى الاستعانة بأساتذة غير أكفاء فكل من يحمل نصف مؤهل له الحق في التدريس، وهذا خطأ فادح، فأستاذ الجامعة يعد ويربي ويصقل داخل الجامعات لعقود حتى تترسخ في ذهنه الأعراف والتقاليد الجامعية.
حتى لا تتفرق بنا السبل نريد في هذا المقال أن نلقي الضوء على أهم مدخلات النظام الأكاديمي، وهم الطلاب، لنرى مأساتنا ونعرف حقيقتنا ونتوقع من طلابنا أن يقدموا على أكثر من ضرب أستاذ. لقد كتبت مقالات عدة بخصوص تدني وضع طلاب الجامعات علميا وسلوكيا في السنوات الأخيرة، وأنذرت في حينه أن أهم مدخلات النظام الأكاديمي ليسوا طلاب علم كما كنا نعهدهم، بل مجموعة من الباحثين عن ورقة تسمى شهادة بأقصر الطرق وبأقل التكاليف من أجل أن يقتاتوا بها أو يباهوا بها أقرانهم. كما أن نسبة كبيرة منهم لا يريدون مواصلة التعليم إنما أجبروا عليه لأن فرص العمل محدودة ولم يجدوا أمامهم سوى الجامعات تحميهم مؤقتا من شبح البطالة، لذا نراهم يتعلمون رغم أنوفهم.
حتى أوضح الصورة أكثر دعوني أضع أمامكم برنامج طالب الجامعة وآلياته في الحضور والغياب والتعامل في السنوات الأخيرة. يبدأ الطالب يومه ويحضر محاضراته منذ أن تكون الطير في وكناتها حتى يرخي الليل سدوله إلا أنه يأتي إلينا جسما بلا روح بلا طموح بلا أهداف، لا ينام من الليل إلا قليلا، فالسهر سجيته والعبث مهنته، يأتي متجردا من أبسط مقومات العلم والمعرفة، لا كتاب ولا قلم ولا هندام، يحضر من قاعة إلى قاعة ومن درس إلى درس لا يملك من أدوات المعرفة قليلا ولا كثيرا، عندها تسأل نفسك: هل أنا بالفعل في جامعة أم في الشؤون الاجتماعية أو في البلدية أو في شركة الكهرباء؟ فكل من حولك لا يوحي لك بأنك في جامعة، وهؤلاء الناس ليسوا طلابا، بل مراجعون. أين الكتب؟ أين الحقائب؟ أين النقاش؟ أين بيئة الجامعة؟
يحضر إلى قاعة الدرس ويرمي بجسمه المتثاقل في آخرها، فبعض طلابنا يأتون إلى القاعات مبكرين من أجل أن يظفروا بالمقاعد الخلفية - على عكس ما نراه في جامعات العالم المتحضر والمتخلف من التسابق على المقاعد الأمامية - ويبقى في مكانه حتى يتيقن من إثبات حضوره عندها يرفع يده فتظنه يستفسر عن معلومة إلا أنه يفاجئك بأنه يريد الانصراف بحجة أن أباه في المستشفى أو أن أمه تعاني مرضا مزمنا أو أن أخاه به مس من الجان أو أن إحدى قريباته تنتظره كي يوصلها إلى مكان عملها أو أي من هذه الأعذار الواهية فإن وافقت على طلبه وإلا تسلل من القاعة دون أن تدري أو يستلقي على كرسيه ويدخل في سبات عميق. وعندما ينتهي الفصل الدراسي ويجد اسمه مع المحرومين من دخول الاختبار النهائي لتجاوزه نسبة الغياب المسموح بها نظاما يرمي عليك إخفاقاته ويظنك سبب عثراته.
ورغم أننا كنا نرى مثل هذه الحالات من قبل، وهي مألوفة في أي نظام أكاديمي، إلا أنها كانت قليلة جدا، وما إن تظهر حتى تتلاشى لأن البيئة تمقتها، أما في الآونة الأخيرة فقد تنامت بسرعة مذهلة حتى استقر حالها فأصبح ينظر إليها كجزء من القيم الجامعية ومن تراه يحمل قلما أو كتابا أو كراسا يدون فيه ملاحظاته يعد شاذا بين أقرانه.
هذا هو وضع بعض طلابنا في بعض الجامعات، أفلا نتوقع أنه من الممكن أن يقدموا على ضرب أساتذتهم وقد يهينونهم وينالون من كرامتهم، فطالب اليوم يختلف كثيرا عن طالب الأمس، وهذه بالفعل مأساة، وسيقودنا هذا الوضع إلى الهاوية إن لم نحسن تأديبهم ونتعاون جميعا في تهذيبهم وتعليمهم وتطويع سلوكياتهم، فطلابنا رغم ما ذكرت إلا أنه يأتي منهم الكثير عندما نبذل القليل من أجل أن نغير اتجاههم ونبني شخصياتهم ونعيدهم إلى الجادة ونزرع في نفوسهم حب العلم والطموح والتنافس، والأهم من ذلك كله أن تكون الجامعات حكرا على النجباء المحبين للعلم الطموحين إلى المعرفة الصابرين على المعاناة.
وقبل أن أختم أريد أن أتوقف قليلا وأقف وقفة إجلال واحترام وتقدير للطلاب المتميزين والقامات الهامة والطموحات غير المحدودة من طلابنا وطالباتنا الصابرين المرابطين، وهم بالفعل نراهم كالقابضين على الجمر، فهؤلاء هم مكسبنا وثمرتنا ومستقبلنا وعليهم يقع الحمل الأكبر إلا أنهم - مع الأسف - ندرة لا تمثل 2 في المائة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي