رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الدورُ الصحفية، جناحان انتظما

.. يفرح الذي يرغب في تطور مجتمعه ورقيه تعدد المؤسسات المتخصصة لأكثر من سبب. فالمؤسسةُ المتخصصة تعمل في ميدانها فلا يختلط مع عمل أو تخصص آخر، فلا يثقل هذا على ذاك، ولا تتشابك خيوط ذاك مع هذا.
وفي تطور الأمم، ومرونة مفاصلة لترفد بعضها البعض يتحرك كامل هيكل تلك الأمم للتقدم. وفي دول كثيرة يكون التجمع المتخصص المؤسسي هو سرّ سرعة الحركة التقدمية التقنية والعملية والاجتماعية والاقتصادية.. ففي اليابان مؤسسة متخصصة، أي بمجلس إدارة من المتخصصين فقط لطريقة صناعة الكيمونو، الرداء التراثي الياباني. وفي الفلبين أكثرُ الصناعات تقدما هي صناعة المنتج الزراعي لوجود مؤسساتٍ عريقة بمجالس إدارة من المتخصصين أنشأها الأمريكيون في بداية احتلالهم للجزر الفلبينية بعد تسلّمها من استعمار إسباني امتد لـ 300 عام، وبالذات مجالس ثمرة جوز الهند، والتي تطورت صناعتها وخرجت منها عشرات المنتجات المتفرعة ورفدت بقوة الاقتصاد الفلبيني، وصار هذا المجلسُ يصرفُ أموالاً على البحث والتطوير - طبعا للمجلس صندوقٌ مالي خاصٌ ومستقل- حتى توصلوا لصنع سكّر صحّي عضوي خالص من جوز الهند، وقد أهداني مزارعٌ كبير كميةً منه، وما زلتُ أُرسِلُ في طلبه، وهو أنفع وأقل سُمِيّة من كل أنواع السكر بدرجاته وأنواعه.
ومن أيام الفرح الذي اسميناه فرح تقدم المجتمع بالتخصص المؤسسي لما قرأتُ في أول الأمر عن "الهيئة الصحفية السعودية"، وهو تجمع متخصص من العاملين بالصحافة، وبمجلس إدارة متخصص أيضا من متمرسي الصناعة الصحفية الكبار، وبالذات رؤساء تحرير الصحف في المملكة.. وما عندي قياسات أكيدة عن مستوى التطور الذي طرأ على الصناعة الصحفية قبل الهيئة وبعدها، ولا أدري إن كانت هناك علامات قياس رسمية موجودة.. ولكن لا أشك أبدا إلا أن نفعا عميما جاء من واء تلك الهيئة المؤسسية المتخصصة، وربما شعر بها أهل الصناعة داخليا في صنعتهم أكثر من الآخرين، لكنها في النهاية تكون كما قلنا أيضا مفصلا مستقل الحركة مرتبطا عضويا بكامل حركة الأمة.. ويكون هنا الأثر الإيجابي قوي التأثير المنفعي.
ثم قرأت شيئا آخر عن ظهور مجلس مستقل بمتخصصيه للمديرين العامين في الصحف، يدل على أن العمل المنطقي المنظم، يخرج مثيلا له في العمل المنطقي التخصصي المنظم.. أي لمّا صار تخصصٌ للهيئة الصحفية، وضح إن هناك أيضا صنعة أخرى لصيقة بالعمل الصحفي لتغذيته ماديا، وتنظيمه إداريا، أي مع العمل المؤسسي الفكري المعلوماتي، جهةُ فيها طابع مستقل ومترابط الأهمية الحيوية مع العمل الصحفي، وهو "العمل الإداري والتجاري" إن صح التعبير داخل الدار الصحفية الواحدة.. ففي كل دار صحفية جناحان يقلعان بكامل الدار الصحفية واحد هو الجناح الصحفي المتخصص، والآخر هو الجناح الإداري الذي بني على نظم وقوانين وإجراءات وعقليات العمل التجاري المتخصص أيضا.. وهذه قفزة كبيرة جدا، وقرأت أنها تمت وأقرتها وزارة الإعلام من ناحية فنية ومالية واستدامية للعمل الصحفي ذاته، وكأن كامل الصنعة الصحافية تبلورت بالنضوج للمراحل العليا وأصبح لها دماغ واحد، ولكن بيدين كلاهما يقوم بعمل متخصص لنفع الرأس العام.
إن خروج الهيئة الصحفية الرائدة، في رأيي هي السبب هي الدافع وهي ربما صاحبة الفضل كما أعتقد منطقيا في العمل على إنشاء مجلس متخصص من المديرين التنفيذيين للدور الصحفية. وسترى صحافتنا الآن في توقعي عملا أكثر تنظيما وتخصصا وتنوعا وتوسعا، في تطورير الكوادر الصحفية، وتنويع المادة الصحفية، وزيادة الإيراد المالي، ورفع آلية التدريب والمسارات الوظيفية، وإيجاد وظائف جيدة ومتخصصة لآلاف الشباب السعودي ويزيد من الاجتهاد في الجانب العملي التنفيذي في المجلس الجديد، قد تفكر الدور الصحفية بما يتوافر لها من أموال في برنامج ابتعاث للصناعة الصحفية، وللطباعة، وللتوزيع، وربما حتى للتجارة في الورق ومكائن الطباعة وتقنيتها وبرامجها الإلكترونية، وينتهي المطاف طبيعيا لو انساقت الأمور بسلاستها إلى الصناعة ذاتها في صنع المنتجات والآليات الخاصة بالعمل الصحفي الكتابي والطباعي. وهناك ناحية استراتيجية بأهمية وإنذار كبيرين، هي حماية الصناعة الإعلامية الوطنية من تكتلات الوكالات الإعلامية الدولية وتهديدها لللاستثمارات الصحفية الوطنية، ولا يجابه التكتلُ إلا تكتّل آخر.. ودون إشكال الدخول في مواضيع قوانين الحماية.. قانونٌ علمي!
وعندما أهنئ ببزوغ شمس مجلس مديري الدور الصحفية، لابد أن أهنئ التجربة الأولى التي تمخضت عن المجلس الجديد وهي :هيئة الصحفيين"، أو أنها بعثت فكرا وواقعا لإيجادها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي