تنافسية برامج المسؤولية الاجتماعية

عندما تعي شركات القطاع الخاص أن مستقبلها يرتبط ارتباطا وثيقا بمستوى ما توفره لعملائها في الوقت الحاضر، فإن ذلك سيكون حافزا مهما لهذه الشركات حتى تعمل على تأصيل الشراكة المجتمعية مع قطاع واسع من المستفيدين. وهذا يتوافق مع التعاريف المتواترة لإيضاح المفهوم العام للمسؤولية الاجتماعية للشركاتCSR والذي يعكس أحدها، أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعني إدارة وتشغيل الشركة بطريقة مسؤولة تهدف إلى تعظيم الأثر الإيجابي وتقليل أية آثار سلبية على البيئة، والمجتمع والاقتصاد الوطني. أيضا فقد تبنت جمعية المسؤولية الاجتماعية للشركات بالاتحاد الأوروبي التعريف القائم على توظيف المحاور الاجتماعية والبيئة مع أنشطة الشركة للتواصل مع الجهات المستفيدة من منطلق غير إلزامي للشركات.
بينما عرف المجلس الاقتصادي العالمي للتنمية المستدامة WBCSD المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها الالتزام والمساهمة في التنمية الاقتصادية الدائمة، وذلك بالعمل مع العاملين في الشركة وأسرهم والمجتمع المحلي. وهذا يستلزم وجود مجموعة من السياسات والممارسات والبرامج التي تتكامل مع العمليات الإنتاجية والتسويقية بهدف إبراز الأثر الإيجابي لعمليات الشركة.
في أوروبا دعت المنظمة الأوروبية للمسؤولية الاجتماعية للشركات عام 2001 الشركات القائمة فيها لاتباع دليل إجراءات مساعد لتطبيق المسؤولية الاجتماعية يرتكز حول محاور شملت مكان العمل Workplace، بيئة السوق marketplace، البيئة Environment، المجتمع Community، الأخلاقيات Ethics، حقوق الإنسان Human rights.
بينما قامت شركةKPMG’s في العام 2005 بإعداد دراسة ميدانية عنونة لها دراسة دولية لإفصاح الشركات عن ممارسات المسؤولية الاجتماعية، أجريت الدراسة على ما يفوق 1600 شركة حول العالم لاستقراء المحفزات التي تدعو الشركات للمساهمة في المسؤولية الاجتماعية، وكان مما خلصت إليه الدراسة تحديد أهم الأسباب التي تحفز الشركات للمساهمة في المسؤولية الاجتماعية والتي شملت الاعتبارات الاقتصادية Economic considerations، تعزيز الاعتبارات الأخلاقية Ethical considerations، دعم الابتكار والتعليمInnovation and learning،دعم التوظيفEmployee motivation، إدارة وتقليل المخاطر Risk management and risk reduction، زيادة رأس المال أو تعظيم حقوق الملاك Access to capital or increased shareholder value، تحسين السمعة، أو العلامة التجاريةReputation or brand، التحكم في الحصة السوقية أو سعر السهمMarket position or share، دعم وتعزيز العلاقات مع الموردين Strengthened supplier relationships، خفض التكاليف Cost savings.
ما سبق يعطي الشركات الجادة مسارا واضحا لبناء خطط استراتيجية تتوافق مع توجهات وإمكانات الشركات لخدمة المجتمع وتعزيز أهداف الشركة الربحية. من أجل ذلك وكما ذكرت في عدد من المقالات السابقة عن بعض التجارب الناجحة في المسؤولية الاجتماعية للشركات أن هذه الشركات لم تسع للابتعاد عن الربط بين نشاطها التجاريBusiness Model وبين حاجات المجتمع من أجل تعزيز هدفين رئيسين الأول تنمية المجتمع والثاني تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة. ومن الأمثلة على ذلك.
ففي مجال خدمة فئات المجتمع قامت شركة مجموعة البث الإذاعي والتلفزيوني البريطانية سكاي Sky بدمج خططها في دعم المسؤولية الاجتماعية مع خططها التسويقية فتبنت مشروعا لتطوير استراتيجية للتقديم خدمات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة. هذا المشروع ساهمت به الشركة في خدمة شريحة مهمة من شرائح المجتمع، وقادت الشركات الإعلامية الأخرى لتحذوا نفس المسار. وحققت أرباحا جيدة، إضافة لزيادة ولاء العملاء لشركة.
في مجال حماية البيئة حقق بنك HSBC سمعة جيدة من خلال المشاركة مع Green-Works لحماية البيئة من أضرار إهلاك مفروشات وأثاث الشركة. هذا المشروع حقق سمعة إيجابية من خلال الانتشار الإعلامي عن هذه الشراكة في مجال خدمة المجتمع، إضافة إلى المساهمة في بناء مشاريع صغيرة تابعة من خلال هذا النشاط.
في مجال دعم المشاريع التعليمية، تبنت شركة الماء الويلزية برنامجا تعليميا بعنوان ''الحياة والتعلم مع الماء'' Living and Learning with Water. بدء بخدمة ما يقارب 3500 طالب وطالبة في عام 1997، ثم وصل عدد المستفيدين منه إلى ما يزيد على 12500 طالب وطالبة في العام الواحد. ساهمت به في تغيير ثقافة الأجيال الناشئة وحققت الشركة نجاحا بين الشركات المنافسة، من خلال خفض تكاليف الإنتاج وتكلفة تقديم الخدمة للمستهلكين، وتقدمت الشركة في خدمات العملاء لتصبح أفضل شركة بدلا من كونها في المرتبة السابعة في عام 2001.
لذلك نقول إن الشركات ذات القيمة التنافسية والحوكمة الجيدة، تستطيع أن تسهم في تحقيق تنمية مستدامة للمجتمع والبيئة المحيطة، وهذا ما يجب أن تسعى له شركاتنا الخاصة والعامة. إضافة إلى أن الجهات الرسمية التي بدأت في تبني مشاريع الشراكة المجتمعية يجب أن تحرص على تقديم مشاريعها التنافسية التي ستعود بالنفع على المجتمع الذي تعمل به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي