القضايا العمالية وتشويه صورة الوطن
أتساءل بحيرة بالغة: مَن المستفيد من استمرار آلاف القضايا العمالية بهذا الشكل المخجل الذي أدى إلى ضياع حقوق الناس وفقدانهم الشعور بالعدل والإنصاف؟ وما ترتب عليه من تشويه لسمعة الدولة في الخارج!
مَن يعرف اللجان العمالية ودهاليز إجراءات التقاضي فيها واستعادة الحقوق المشروعة سيصاب ''بالصدمة''من سوء ما يجري وكأننا في بلد بلا قانون ولا عدل ولا إنسانية!
وزارة العمل التي تحملت أعباء القضايا العمالية لسنوات سابقة تقر وتعترف بأنها لا تستطيع أن تتجاوز مهمتها الأساسية في برامج التأهيل والتوظيف، وترى أن الوضع الطبيعي للجان العمالية وقضايا العمالة بتشعباتها وتعقيداتها أن تكون تحت مظلة ''وزارة العدل'' كمحاكم عمالية متخصصة، وتستند في ذلك إلى ما نصت عليه أنظمة المقام السامي أخيرا، التي جعلت من مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء مظلة لكل اللجان ذات الطابع القضائي والحقوقي، وتحويلها إلى محاكم متخصصة، ولذلك تدير الوزارة هذه اللجان ''بدون نفس'' وبإمكانات ضعيفة وتنظيم فوضوي وإجراءات ''بيروقراطية'' لا تكاد تنتهي وفترات طويلة في التقاضي والجلسات تصل إلى سنوات من أجل أن يحصل موظف مفصول تعسفيا على حقه! ومن المؤلم حقا أن ينتظر موظف سنة وشهرين لأجل حضور الجلسة الأولى في قضيته دون النظر لمعاناته الأسرية والمعيشية والنفسية.
والمؤلم أكثر أن ينتظر بعد كل هذه المواعيد والجلسات عاما آخر لأجل صرف مستحقاته من مؤسسته التي صدر بحقها حكم إلزامي بإعادة كل المفصولين وصرف حقوقهم ولم تنفذ الحكم منذ عام، وموظفة أخرى تنتظر ثلاث سنوات حتى يتم البت في قضيتها بعد أن فصلت تعسفيا بينما لا يستغرق الأمر أسابيع معدودة، لكنها ضعف الإمكانات وكثرة القضايا وغياب التشريعات القضائية.
وهذه التراكمات جعلت أغلبية المطالبين بحقوقهم من ضحايا الخلافات العمالية يتنازلون عن حقوقهم ''من أولها'' أو يقبلون بتسويات ودية هزيلة تلتهم معظم حقوقهم لأنهم يعرفون أن الطريق لنيل حقوقهم طويل جدا ومظلم ومهجور.
أما وزارة العدل، التي هي معنية بالأمر الآن، فيكفي ما كتبته عنها سابقا، فلا محاكم عمالية ولا مرورية ولا تجارية، وكل المسألة تصريحات للاستهلاك الإعلامي واعتمادات لمشاريع ورقية وسلحفائية لم نر لها وجودا على أرض الواقع.
وبين الوزارتين تضيع الحقوق وترتبك موازين العدالة في مواجهة أكثر من ثمانية آلاف قضية سنويا فيها عدد لا يستهان به للعمالة الوافدة التي جاءت إلينا طلبا للرزق وثقة بالعدل والإنصاف، وفيها أيضا قضايا لشباب وبنات قذفت بهم الظروف المعيشية في أحضان مؤسسات فاشلة أكلت حقوقهم وتخلصت منهم لأنها تعرف أن المحاسبة والعقوبات في ظل هذه اللجان أمر بعيد المنال، ما يشجعها على المزيد من التجاوزات.
لقد رصدت جمعية حقوق الإنسان هذا المشهد مرات عديدة ورفعت تقاريرها بعد أن تكدست مكاتبها بآلاف الطلبات التي تنشد العدل والإنصاف، ووصلت نسبة القضايا العمالية من إجمالي القضايا التي تعاملت معها الجمعية إلى 10 في المائة، وحددت في بعض تقاريرها أن اللجان العمالية في بعض المناطق لا يعمل فيها إلا محقق واحد، لكن كل ذلك بلا جدوى، ولم يغير في الأمر شيئا.. فماذا بوسع الأعداد المحدودة من المستشارين القانونيين وهم يواجهون مئات القضايا بشكل شهري؟ وسط إمكانات محدودة يعجزون معها عن إحضار الخصوم وإلزام المؤسسات المماطلة في رد الحقوق لأصحابها.
أعجزنا عن أن نؤسس محاكم للقضايا العمالية مثل كل دول العالم المحترمة تنصف المظلوم وتعطي كل ذي حق حقه بدلا من هذه الاجتهادات المتواضعة التي لا تليق بواحد من أكبر أسواق العمل نموا في الشرق الأوسط؟
أين دور المجلس الأعلى للقضاء ولجان التنظيم الإداري؟ وهم يعرفون معاناة الناس ولا يفعلون شيئا، هل يرضيهم استمرار هذا الأداء المتواضع وضياع حقوق العاملين وانتظارهم بالسنوات دون حسم أو إنصاف؟ يا لها من معاناة لن يشعر بها إلا من قاساها وعاش فصولها فلأجل الوطن والتاريخ ولأجل مستقبل الأجيال أنقذوا هؤلاء العاملين من إحساس الشعور بالظلم، فكلنا مسؤولون أمام الله.