«لا عذر لكم بعد اليوم» مع الميزانية الأكبر
لا شك أن إعلان الميزانية الأكبر في تاريخ المملكة، أحدث فرحة كبيرة وارتياحاً عاماً لدى جميع فئات المجتمع، ليس المواطن العادي فقط، بل حتى رجال الأعمال والمهتمين بشؤون التعليم والتنمية، لما تحمله الميزانية من بشائر خير، تتمثل في دعم التعليم والتدريب والصحة من جهة، والاستمرار في استكمال وإنشاء المشروعات التنموية الكبيرة من جهة أخرى. فقد خصص ربع الميزانية تقريباً (25 في المائة) للتعليم، ونحو 12 في المائة للصحة، وهذا يعكس الإصرار على إحداث تنمية بشرية غير مسبوقة، بل يُجسد الرؤية الحكيمة حول أهمية بناء الإنسان، وضرورة تعزيز تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة في جميع أنحاء المملكة. وهذا الدعم للتعليم كفيل بالحد من البطالة وتسريع جهود القضاء على الفقر من خلال تسليح القوى البشرية السعودية بالعلم والمهارات الضرورية للمشاركة الفاعلة في قوة العمل، خاصة مع ازدياد أعداد الداخلين الجدد لسوق العمل.
أعتقد أن تنفيذ الميزانية كما وردت - بإخلاص - سيحدث تحسناً في مناحي الحياة كافة، ويسهم في تخفيف أو الحد من المشكلات التي يعانيها المجتمع، خاصة البطالة والفقر، وكذلك تحسين خدمات الصحة والنقل. لا شك أنها سترفع من مستوى الخدمات في بعض المستشفيات الحكومية التي لا تفي باحتياجات المواطن، وستسهم في تحسين مستوى النقل داخل المدن واستكمال مشروعات الطرق بين المدن.
وما يثير الارتياح والسعادة، تركيز الميزانية على تعزيز التنمية البشرية لإحداث تنمية مستدامة حقيقية، انطلاقاً من الإيمان بأنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تنافس على المستوى العالمي، إلا من خلال تنمية الإنسان، من حيث التعليم والتأهيل والتدريب، وقبل ذلك العناية بصحته وسلامة جسده وعقله.
ختاماً إن فاعلية هذه الميزانية الضخمة تتوقف على الإخلاص في تنفيذها وفق معايير دقيقة، مع إمكانية تقييم الأداء في نهاية العام وفق مؤشرات واضحة. ومن المفترض أن تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط بتقييم الأداء لكل عام منصرم. لكن من المؤسف أننا في الماضي لا نسمع إلا عن متابعة سلامة مستندات الصرف وفق الأنظمة المالية، ولم نسمع - قط - عن تقرير أداء تقدمه وزارة الاقتصاد والتخطيط في نهاية كل عام، يوضح مستوى جودة الأداء ويحدد الإنجازات وتكاليفها، وكذلك المشروعات المتعثرة وأسباب تعثرها. في الحقيقة يسعد المواطن عند صدور الميزانية الضخمة، لكنه في حاجة إلى توضيح أكثر عن طبيعة المشروعات وأهداف كل مشروع وتكاليفه، وكذلك تقرير عن المنجزات ومؤشرات الأداء في نهاية العام. ومن واجب كل جهة أن تقوم بإعداد خطة عمل في بداية العام وتقرير أداء في نهاية العام، كي تكون الميزانية فاعلة ومؤثرة إيجابياً في حياة الناس ومستويات معيشتهم.
ختاما أدعو الله أن ينفع بهذه الميزانية الضخمة، التي تعكس اهتمام الدولة بالتنمية البشرية وتؤكد حرصها على أن تكون في مقدمة الأولويات، مع أمنياتي أن يُنظر في أمر التحول من أسلوب ميزانية الأبواب التقليدية إلى أسلوب إعداد الميزانية القائم على الأداء، وأن يؤسس صندوق للأجيال القادمة توضع فيه بعض فوائض الميزانية، وكل عام وأنتم والوطن بخير.