رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المرأة.. إهدار المورد الثمين

في الوقت الذي تتقاذف فيه التيارات الاجتماعية لدينا جدلا غير منتهٍ حول موقع المرأة من خريطة التنمية ومشاركتها في سوق العمل، يصعد خبراء الموارد البشرية حملاتهم لتعزيز دور المرأة بوصفها موردا بشريا مذهلا ورقما استثنائيا في برامج التنمية واستراتيجيات سوق العمل الحديثة.
وكمتابع لأنشطة سوق العمل لم تفاجئني الدراسة التي أصدرتها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ونشرتها "الاقتصادية" أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حول تدني مشاركة المرأة الخليجية في سوق العمل الخليجية، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 2 في المائة في الإمارات و12.3 في المائة في البحرين و8.1 في المائة في السعودية و7.1 في المائة في عمان و2.6 في المائة في قطر و6.5 في المائة في الكويت عام 2008.
وأفصحت الدراسة عن أن مشاركة المرأة في سوق العمل الخليجية وعلى رأسها المملكة لا تزال تراوح مكانها منذ عشر سنوات عند تلك النسب عند معدلاتها دون تغيير يذكر على مدى عقد كامل.
والمتابعون لمتغيرات سوق العمل يدركون أن مشاركة المرأة في سوق العمل في المملكة ضئيلة جدا قياسًا بما حققته مستويات متقدمة في التدريب والتأهيل لسوق العمل، ما يسهم في هدر بشري كبير لمورد ثمين نحتاج إلى مساهمته الفاعلة في قوة سوق العمل. وهو أيضا أمر يبعث على الحيرة باعتبار أن تدني مشاركة الموارد البشرية في سوق العمل مرده الطبيعي إلى ندرة المؤهلين والممارسين، لكن الأمر لدينا كما أسلفت يشكل مفارقة عكسية تتجه في بعض صورها إلى ما يشبه الكوميديا السوداء، التي وصلت إلى تفوق مشاركة النساء الوافدات في سوق العمل المحلية مقارنة بالمواطنات.
لقد بلغ عدد خريجات المرحلة الجامعية، اللاتي سجلن رسميا في برنامج "حافز" 335 ألف متقدمة، وأكثر من 2500 خريجة لمرحلة الماجستير، وأعداد أخرى من الحاصلات على درجة الدكتوراه غير معلنة، وهذه الإحصائية تتفق مع سابقتها في تدني إسهام المرأة السعودية في سوق العمل بمعدلات غير مقبولة اجتماعيا ودوليا، رغم كل ما استثمرته الدولة من أموال طائلة في تشييد المؤسسات التعليمية والتدريبية التي تعنى بتأهيل وتدريب الموارد النسائية واستغلالها كورقة رابحة للتفوق الاجتماعي والتنموي.
ولزام علينا كباحثين ومهتمين ومسؤولين في الأجهزة الحكومية أو في القطاع الخاص أن نستشعر الهدر الذي تتكبده الدولة ويدفع ثمنه المجتمع بسبب عدم استثمار الموارد البشرية النسائية السعودية بشكل كاف. وأبسط مثال على ذلك جزء كبير من الوظائف التي يتم استقدام مئات الآلاف من الوافدين لشغلها، بينما بالإمكان أن تشغلها عشرات الألوف من السعوديات الجامعيات اللاتي يبحثن عن العمل ولا يجدنه.
ولا يمكن الحديث عن الهدر البشري والمادي بمعزل عن الظروف الاجتماعية بعدما أصبح العمل يمثل ضرورة قصوى لبعض الشرائح من النساء، يقيهن ذل الحاجة، وفي قوائم وزارة الشؤون الاجتماعية ما يؤلم من قضايا المطلقات والأرامل والمعنفات وغيرها.
لقد سنت الدولة أخيرا حزمة من القرارات التشريعية والتنفيذية التي تتعلق بتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، واستثمار الطاقات النسائية بشكل أمثل للإسهام في مسيرة التنمية، لكنها ما زالت مقيدة بالاستثناءات، ومحفوفة بالتردد والتنفيذ البطيء ما أفقدها تأثيرها، ويجب ألا يقف الأمر عند تلك التشريعات، فلا بد من المتابعة وتقييم مؤشرات الإنجاز والاستمرار بطرح المزيد من المحفزات، ومراجعة مجمل الأنظمة القائمة، ومنها على سبيل المثال برامج الأمومة، والتقاعد المبكر، وساعات العمل، والحد الأدنى للأجور، وإلزام مؤسسات القطاع الخاص بتأنيث جزء من وظائفها، وعلى سبيل المثال ما زالت لدينا قطاعات كبيرة في السياحة والتقنية والقضاء والتدريب والإعلام تحفل بفرص واعدة للموارد النسائية، لكنها في حاجة إلى تشريعات حازمة ومحفزات واضحة.
وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني يتطلب الأمر وجود أكثر من مؤسسة تعنى بمشاركة المرأة في سوق العمل، وتسهم بتبني ملتقيات سنوية تطرح فيها المقترحات التطويرية والمبادرات المبتكرة، وتنسق مع الأقسام والكراسي العلمية في الجامعات، والتواصل مع رجال وسيدات الأعمال، لنشر الإحصائيات والمبادرات الإيجابية والتجارب الناجحة، وتراجع باستمرار المعوقات التي تنشأ على أرض الواقع وتحد من دور المرأة وحضورها التنموي، وبالتالي الحد من قدرتنا التنافسية مقارنة بمجتمعات أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي