رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مدينة الملك عبد الله.. الانتقال إلى تنفيذ المشاريع

حققت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة خطوة إيجابية متقدمة حيال عملها الرامي إلى إنتاج الطاقة البديلة والمتجددة، فقد أعلنت المدينة في الشهر الماضي تحديد المواقع الملائمة لإنشاء المفاعلات النووية المزمع بناؤها، أي أن مدينة الملك عبد الله انتقلت من مراحل البحث والإعداد إلى مراحل التنفيذ في مدة أقل من ثلاث سنوات، ولا شك أن هذا العمل الرائع يحسب لمدينة الملك عبد الله.
إن مدينة الملك عبد الله تستهدف في قطاع الطاقة النووية إنشاء أكثر من 16 مفاعلاً نووياً حتى عام 2030 بتكلفة تقدر بنحو 300 مليار ريال، وهذا الاتجاه نحو الطاقة النووية يؤكد أن الطاقة النووية تأتي في المرتبة التالية بعد النفط.
ويرمي هذا المشروع النووي المهم إلى توفير أكثر من 50 في المائة من الوقود الهيدروكربوني الذي تحتاج إليه منظومة الكهرباء وتحلية المياه، وهي المنظومة التي تواجه زيادة ملحوظة في معدلات الطلب المحلي على الماء والكهرباء تصل إلى نحو 8 في المائة سنوياً.
إن التحدي الأهم الذي تواجهه مدينة الملك عبد الله هو توفير الطاقة بصورة مستدامة وبجدوى اقتصادية مجزية دون الحاجة إلى دعم مالي مستمر من الحكومة.
هذا هو التحدي الذي تواجهه المدينة، ونحمد الله أن المسؤولين في المدينة يدركون كل التحديات التي تحاط بالطاقة في الداخل والخارج.
بمعنى أن مشاريع المدينة لا تستهدف إنتاج الكهرباء وتحلية المياه فقط، بل إن الهدف هو بناء قطاع اقتصادي متكامل يعتمد على الصناعة والخدمات وعلى الأبحاث والتقنيات والإبداع، وعلى القوى البشرية المؤهلة ليصبح قطاع الطاقة الوطني قطاعاً اقتصادياً مستداما.
دعونا نؤكد حقيقة لا غبار عليها، وهي أن محاولات خفض استخدام الطاقة هي محاولات يائسة وبائسة، والدول سواء كانت دولاً متقدمة أم دولاً نامية، فإنها تتجه إلى استخدام واسع للكهرباء، ولن تكون هناك حضارة إذا لم تستخدم المدن مزيداً من الكهرباء لتحقيق التنمية والنمو، وإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد ولا يمكن إيقافه أو حتى التخفيف منه.
لكن ما يحدث الآن هو الاتجاه نحو تخفيف استخدام البترول لسببين: هما أن البترول مادة ناضبة، وهو أيضاً مادة تضر بالبيئة ضرراً فادحاً، وهذا لا يعني أن العالم نجح في جهوده الرامية إلى إحلال الطاقة المتجددة محل البترول، لكن هناك كر وفر يستهدف التقليل من استخدام البترول، ولا تتوافر معلومات كافية تقول إن العالم يتجه إلى الاستغناء عن البترول، إذ إن تكاليف الإنتاج ما زالت تعطي للبترول ميزة الاستمرار في الأسواق العالمية لفترة زمنية مقبلة وطويلة.
ويفيد المشهد الدولي - حالياً - بأن الأزمات السياسية التي تجتاح العالم كأزمة المفاعل النووي الإيراني أدت إلى حشر البترول في القرارات السياسية، ما حدا بالغرب إلى اتخاذ قرارات بوقف شراء البترول الإيراني عقاباً لإيران على إصرارها في الاستمرار في مشروعها النووي، وطبعاً هذه المقاطعة أدت إلى تورط الاقتصاد العالمي في زيادة متوقعة لأسعار البترول، وهذه الزيادة كما نعرف جميعاً ستدفع أسعار الكثير من السلع والخدمات في الأسواق العالمية إلى الزيادة.
لذلك فإن الخبراء يحذرون من الارتفاع المتزايد لأسعار البترول، لأن ارتفاع أسعار البترول سينعكس سلباً على مستوى النمو الاقتصادي العالمي، ما قد يقود إلى أزمات اقتصادية تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وإزاء هذا الحشد من مشاكل الطاقة، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اتخذ مبادرته الموفقة وأصدر أمراً ملكياً بتأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة.
البعض يرى أن اهتمام المملكة بالطاقة البديلة والمتجددة يهدد البترول السلعة الاستراتيجية للمملكة في الداخل والخارج، لكن ما يجب أن نعرفه جميعاً أن القضية أبعد من البترول كسلعة، إنما هي قضية كل مصادر الطاقة التي يراهن عليها المجتمع الدولي ويسعى لإنتاجها والحفاظ عليها حتى يعم الاستقرار كل أنحاء العالم.
ولذلك فإن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة لم تأتِ إلا بعد دراسات مستفيضة قامت بها جهات حكومية عدة، ففي آب (أغسطس) 2009 رفع مجلس الشورى إلى المقام السامي اقتراحاً بإنشاء هيئة سعودية للطاقة الذرية، وبناء على هذا الاقتراح أمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وعضوية وزير المياه والكهرباء ووزير الصحة لوضع تصور شامل عن الاحتياجات الوطنية من المياه والكهرباء في الحال والمستقبل، ومن ناحيتها فقد رفعت وزارة البترول والثروة المعدنية دراسة جاء فيها أن المملكة تشهد نمواً بمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه وزيادة ملحوظة في الطلب على الموارد الهيدروكربونية الناضبة التى تستخدم جزءاً كبيراً منها في توليد الكهرباء والمياه، لذلك فإنه من الضروري توفير الموارد الهيدروكربونية واستخدام مصادر بديلة رخيصة الثمن ولا تلحق أضراراً بالبيئة، ونقصد هنا استخدام الطاقة الذرية والطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء والمياه، وفي ذلك تتحقق الميزتان، الأولى: ضمان توفير المياه والكهرباء بصورة دائمة وتوفير جزء كبير من الموارد الهيدروكربونية الموسومة بالنضوب.
وفي المحصلة النهائية أشكر مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة على مبادراتها السريعة، وأرجو أن توفق في الوصول إلى نهايات سعيدة وناجحة لكل أشكال وألوان الطاقة المتجددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي