رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مشروع العيينة عفى عليه الزمن

أصابنا شيء من الذهول والاستغراب ونحن نقرأ ما نُشر في صحيفة "الاقتصادية" يوم 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2012، حول تعليق أحد الإخوان أعضاء مجلس الشورى الموقر على مشاريع الطاقة الشمسية. والعضو الفاضل يحبذ التريث وعدم الاستعجال في التوجه نحو صناعة الطاقة الشمسية. وعزا ذلك إلى ما يُشاع عن فشل تجربة مشروع العيينة للطاقة الشمسية، في نظره، قبل أكثر من 25 عاماً. ومنبع استغرابنا هو الربط بين وضع مضى عليه أكثر من عقدين ونصف وبين ما هو حاضر بين أيدينا اليوم. ونقول لكل مواطن مخلص وبكل ثقة انتهى أمر الماضي، ونحن من أولاد اليوم، وعفا الله عما سلف. ومهما كانت نتائج تجربتنا مع مشروع العيينة القديم، فإن القائمين على مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي كانت تشرف على مرفق العيينة لديهم اليوم بحوث متقدمة في مجال صناعة وتوليد الطاقة الشمسية على أيدي شباب سعوديين قمة في الإبداع وإدارة البحوث. وهم الآن على وشك تطبيق نتائج مجهودهم الطيب عملياًّ على أرض الواقع. ولو - يا إخوان - نظرنا إلى الخلف واستعرضنا جميع الحالات والأوضاع التي مرت بنا وأصاب بعضا منها شيء من الفشل وقررنا نتيجة لذلك عدم إعادة المحاولة لما تقدمنا شبراً واحداً في مجال التقنية الحديثة. فعندما أُنشئ مشروع العيينة، لم تكن الأمور على ما هي عليه اليوم من التقدم التكنولوجي وتطور صناعة الطاقة الشمسية وتدني أسعارها والحاجة الماسة إليها، حيث أصبحت اليوم تنافس معظم المصادر التقليدية المعروفة للطاقة. ولعل من نافلة القول أن نذكر هنا الفارق الكبير بين سعر وحدة الطاقة الشمسية قبل 30 عاما وسعرها اليوم. ففي عام 1980 كان سعر الوات 30 دولاراً أمريكياًّ، وأصبح في وقتنا الحاضر أقل من دولار واحد، وهو فرق هائل. وحتى هذا المستوى الجذاب مرشح لاستمرار الهبوط. ولعل أهم شيء يميز الوقت الحاضر عن الماضي هو أن إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية أصبح الآن جزءا لا يتجزء من استراتيجيتنا القومية وحاجتنا المُلحَّة لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء، كرافد للمشتقات النفطية، وذلك من أجل توفير أكبر كمية ممكنة منها للتصدير. وهو خيار قد حُسِمَ أمره. بل ونعتبر أنفسنا قد تأخرنا قليلاً في إنشاء مرافقها، وكنا نأمل أن نكون في المقدمة في مجال صناعة الطاقة الشمسية التي تمكننا من توفير قسم كبير من إنتاجنا النفطي والحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة الناضبة. وعندما ننظر إلى ما حولنا من الدول المجاورة وغير المجاورة نجد أنهم قد سبقونا في مضمار استخدام الطاقة الشمسية، وكنا أولى بالسبق في هذا المضمار. والذين لم تكتمل منشآتهم، هم في منتصف الطريق.
كنا نود لو أن أعضاء مجلس الشورى، وهم النخبة من أبناء هذا المجتمع، كانت لديهم خلفية أفضل وأكثر وضوحاً عن مستقبل مصادر الطاقة بوجه عام، ومستقبل الإنتاج النفطي بصفة خاصة، ما يمكنهم من الاشتراك في وضع استراتيجية واضحة المعالم تسير بموجبها المملكة نحو مستقبل أفضل إن شاء الله. ويجب أن تتاح لهم فرصة التعرف عن كثب على السياسة المتعلقة بإنتاج وتصدير النفط الخام والمشتقات النفطية التي تمثل أكثر من 90 في المائة من دخل الدولة، وعن عمرها ومتى يبدأ إنتاجها في الانخفاض. وكذلك التحديات التي تكتنف السوق النفطية خلال السنوات الأخيرة، مع ظهور بوادر نقص في الإمدادات العالمية وتحُّول نظرة العالم المتعطش للطاقة إلى السعودية لتكون المنقذ، نظرا لاحتوائها على أعلى نسبة من الاحتياطي النفطي المُثبت وجوده، حسب تقدير المسؤولين عن الإنتاج. ونتمنى أن يكون لمجلس الشورى دور فعال في توجيه السياسة الاستراتيجية لمستقبل اقتصاد البلاد، بعد أن يكونوا قد تمكنوا من الحصول على المعلومات المطلوبة واطلعوا على الوضع القائم ومتطلبات المستقبل.
وما دمنا قد فشلنا فشلا ذريعاً خلال أربعة عقود من المحاولات اليائسة من أجل بناء قاعدة صناعية وطنية تدر دخلاً ولو متواضعاً إلى جانب الدخل النفطي الذي لن يدوم إلى الأبد، فعلى أقل تقدير دعونا نحاول صناعة الطاقة الشمسية التي هي من أيسر مداخل الصناعات الحديثة. ونحن قادرون - بإذن الله - وبمجهود متواضع على إنشاء مرافق تصنيع موادها محليا وبناء منشآتها بمساعدة خارجية مؤقتة. وتصنيع المواد والتشغيل والصيانة كفيلة بأن توجد عشرات الألوف من الوظائف للشباب الطموح. وإذا تدبرنا الأمور واستعرضنا جميع وسائل مصادر الطاقة المتجددة المعروفة اليوم، لوجدنا دون أي جدال أن الطاقة الشمسية هي المصدر الوحيد الذي من الممكن الاعتماد عليه ولو جزئيا لإنتاج الطاقة إلى جانب ما تبقى لنا من النفط. ولن ندخل هنا في نقاش أو جدال حول متى يبدأ الإنتاج النفطي في الهبوط، ما دام أن لدينا يقينا بأنه ناضب في يوم ما. ومن مزايا الطاقة الشمسية التي لا تتوافر في كثير من المصادر، أنها بنعمة من الله وفضله دائمة دوام الكون. ولعله من حسن الطالع أن تكون مصادر الطاقة الشمسية الوحيدة بين الصناعات والمصادر الأخرى، بما فيها المصادر النفطية، التي تنخفض تكلفتها بوتيرة ثابتة مع مرور الوقت وكسب المزيد من الخبرة والتعامل مع معطياتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي