رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مُطلّقة يا .. مجتمع

حين تستحيل الحياة الزوجية بين اثنين ويصبح استمرارها نوعاً من الجنون والانتحار البطيء في ظل علاقات متوترة تفتقد أبسط مظاهر الاحترام والإنسانية، هنا يصبح الطلاق أمراً واقعاً لا مفر منه حفظاً لحقوق الطرفيْن وحماية للأبناء من ترسبات خلافات دائمة قد يكون تأثيرها عليهم مستقبلاً فادحاً لا يمكن محو آثاره بسهولة.
تخرج المرأة من شركة الزواج وهي تحمل لقب ''مُطلّقة'' وما أدراك ما معنى مُطلّقة في مجتمع يحمل نظرة متطرفة غير منصفة لمَن تحمل هذا اللقب، بينما ينظر للزوج على أنه ''شايل عيبه'' لا يضرّه طلاقٌ ولا غيره، رغم أن ديننا الإسلامي لم يفرق في تشريعاته بين ذكر وأنثى، قال تعالى:}فَاستَجَابَ لَهُمْ رَبُّهمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى{ آل عمران: 195، وقوله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون{ النحل: 97، أي أن الثواب والعقاب يتساوى فيه الذكر والأنثى..!
التقيت مُطلقات عديدات حكاياتهن تخط بحبر المعاناة والألم والوجع النازف، ولست أبالغ بوصفي، وإن كنت أحاول أن أرقع كلماتي بورد التفاؤل لكن ما ستقرؤونه هو صرخاتٌ حقيقية لمُطلّقات يكاد الحطام أن يقتلهن:
- مُطلّقة في الخامسة والستين من عمرها طردها زوجها من منزلها بعد عِشرة خمسين سنة؛ لأنه تزوّج من زوجة أجنبية في العشرين من عمرها فاستغنى عنها متناسياً أن الزمن الذي طواها قد طواه، وهي الآن تشكو من كونها عالة على زوجات أبنائها.
- مُطلّقة تعول ستة أطفال بعد أن تركها زوجها رافضاً التكفل مادياً بأطفاله ورافضاً التنازل عنهم لها، ما ضيّع عليها فرصة تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ورغم رفعها قضية نفقة لأبنائها إلا أنها ما زالت تدور في المحاكم منذ أربع سنوات بلا طائل وظروفها المادية تخنقها رويدا رويدا.
- مُطلّقة عمرها عشرون عاماً طلّقها زوجها بسبب خلاف نشأ بينه وبين شقيقها فتم نحرها فوق مذبح العزة والكرامة دون ذنب جنته، والآن كل الذين تقدّموا لها إما يريدونها زوجة ثانية أو كبار سن قد تجاوزوا الستين من أعمارهم، فتتساءل بحرقة ما ذنبي حتى لا أكمل حياتي مع شاب في عمري.
- مُطلّقة تعمل في مجال مختلط وتعاني تحرُّشات زملائها في العمل منذ طلاقها؛ لاعتقادهم بأنها لقمة سائغة وهدفٌ يسهل النيل منه مما أصابها بحالة من الاكتئاب وقد حاولت نقل مجالها في بيئة عمل نسائية ولم تستطع.
ما سبق هو غيض من فيض لحالات طلاق موجعة تتكرّر دوماً في مجتمع يعامل المطلقة وكأنها مجرمة حرب، رغم أن صحابيات قد طُلقن وتابعيات قد طُلقن، ونساءً فضليات قد طُلقن، فالطلاق ليس مسبةً للمرأة ولا انتقاصاً من قدرها، بل هو تشريع إلهي الحكمة منه حماية الأسرة والأبناء من هوة سحيقة قد تحطمها في حالة استمرارها بلا فائدة مرجوة.
يقول تعالى: }وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً{ النساء: 130.
الطلاق ليس نهاية العالم، بل أحياناً قد يكون هو البداية الحقيقية...!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي