رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الجامعات الأهلية وتوطين الوظائف

في حديث المجالس أسمع أن مخرجات الجامعات الأهلية مميزة ويتهافت عليها القطاع الخاص لاستقطابها خصوصا تلك المخرجات التي استثمرت القدرات التأهيلية للجامعات الأهلية ولي أكثر من صديق توظف أبناؤهم وبناتهم مباشرة بعد التخرج دون عناء البحث عن وظيفة بل إن بعضهم كان أمامه أكثر من عرض وظيفي اختار أنسبهما لطموحاته وتطلعاته.
إحدى الطالبات في جامعة أهلية يقول والدها إنه منذ السنة الأولى طلب منها إعداد خطة عمل لشركة مفترضة بالتعاون مع فريق من زميلاتها وأنها طلبت منه مساعدتها، وحين تابع إعداد الخطة تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ابنته تدرس في الجامعة الصحيحة لأن ما أنجزته وزميلاتها خلال ثلاثة أشهر يعجز عنه كبار الموظفين الذين يعرفهم بل إن معظمهم لا يرى في التخطيط ضرورة للعمل لأنه مضيعة للوقت ويرى العمل العشوائي أفضل كثيرا وهو ما انعكس سلبا على الفاعلية، حيث تنفق الأموال بشكل هائل في المساحات الخطأ كما أثر سلبا في الكفاءة حيث الاستخدام الأسوأ للموارد المالية والبشرية والتسيب في وقت الإنجاز وهو ما أثبتته تقارير ديوان المتابعة وغيرها، حيث ضعف الإنجاز لسوء التخطيط وتنظيم الجهود والطاقات والإمكانات وتوجيهها نحو الغايات الصحيحة.
هناك بطالة وهناك فرص وظيفية يشغلها الإخوة الوافدون ويحرم منها المواطن، وهناك استنكار كبير لهذه المعادلة غير المنطقية ولكن عندما تقابل معظم المسؤولين في أي قطاع كان يقولونها بكل صراحة: الموارد البشرية الوافدة العاملة والتي لا يرغبون في استبدالها بمواطنين أكفاء في هذه المواقع ولو وجد العنصر الوطني الكفؤ لما توانينا عن ذلك والكفاءة تقاس هنا بالتكلفة وهي حاصل قسمة الأجور على الإنتاجية ولا تقاس بالأجور ومعظم هؤلاء المسؤولين يقولون إن الموارد الوافدة عالية المعرفة والمهارة والالتزام بقواعد العمل. ويشير الكثير منهم إلى صعوبة استبدال وافد بمواطن لمواطنته فالمواطنة عنصر مهم ولكن الجدارة هي العنصر الحاسم في التوظيف والاستمرارية والترقي حيث إن المدير أو رجل الأعمال يبحث عن الأكثر إنتاجية.
أذكر أن منتدى الرياض الاقتصادي خلص في دراسات كثيرة في محور الموارد البشرية الوطنية وتنميتها إلى أن المنافسة هي العنصر الحاسم في معالجة قضية البطالة وعلى هذا الأساس أوصى بتكليف جهة عليا بالتخطيط والتنسيق بين كل الجهات ذات العلاقة بتنمية وتطوير الموارد البشرية الفنية والتقنية، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة متخصصة في التقويم والاعتماد والجودة للتعليم الفني والتدريب التقني كالهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، وإعادة هيكلة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بحيث تكون منظماً ومشرفاً على شؤون التدريب الفني والتقني والمهني بما يمكن القطاع الخاص من القيام بدوره في هذا المجال إلى غير ذلك من التوصيات التي تهتم برفع القدرات التنافسية للموارد البشرية الوطنية محليا وعالميا في عالم اقتصادي منفتح لم تعد خيارات الحماية عنصرا فاعلا في معطياته.
وإذا جمعنا بين نتائج دراسات منتدى الرياض الاقتصادي وما حققته الجامعات الأهلية من نجاح في تخريج موارد بشرية منافسة بجدارتها العالية حتى أن مديري الموارد البشرية على تواصل تام مع هذه الجامعات لاستقطاب مخرجاتها أولا بأول، كما نقل لي الكثير من طلاب هذه الجامعات، أقول إذا جمعنا بين هذين المعلومتين أصبحنا أمام حقيقة تتجاوز النظرية والتفكير والمقترحات، وأصبح لزاماً علينا تركيز الجهود لتنفيذ توصيات منتدى الرياض الاقتصادي لتخريج موارد بشرية عالية الكفاءة ذات جدارة قادرة على المنافسة على الوظائف المتاحة في القطاعين الحكومي والخاص وقطاع المؤسسات المدنية. من دون أدنى شك لعبت الدولة رعاها الله دورا كبيرا في تحفيز التعليم الأهلي بالابتعاث الداخلي الذي مكن الجامعات الأهلية من تطبيق خططها بكل كفاءة، كما مكن الكثير من الأسر السعودية متوسطة الدخل من إلحاق أبنائها في هذه الجامعات التي أهلتهم التأهيل الممتاز الذي رفع معارفهم ومهاراتهم الفنية والاتصالية والذهنية كما رفع من مستوى قيمهم ومفاهيمهم الخاصة بالعمل والإنتاج كالعمل في روح الفريق الواحد والإنجاز دون أعذار لتحقيق أهداف مزمنة ما جعل مخرجاته مرغوبة ومفضلة لدى أرباب العمل والمصالح، وبالتالي فإن تجربة التعليم الأهلي رغم قصرها تجربة ثرية ومتكاملة الأطراف وعلينا استثمار نتائجها للتخطيط لمواردنا البشرية الوطنية لتكون منافسة بجدارتها لا بهويتها الوطنية فقط.
وإذا ما أخذنا تجربة الجامعات الأهلية ذات الأثر الإيجابي في توطين الوظائف بالجدارة لا بالهوية التي باتت عنصرا مساعدا للتوظيف يمكننا أيضا أن نأخذ تجارب الدول المتقدمة في إعادة تشكيل سمعة ومكانة الأعمال المهنية كما فعلنا نحن بالنسبة للحراسات الأمنية المدنية ليقبل عليها المواطنون دون خجل، وأعتقد أن الدولة إذا استعانت بخبراء متخصصين في بناء الصورة والسمعة للمهن يمكن لها أن تنجح نجاحاً باهراً في توجيه الشباب نحو الأعمال المهنية والحرفية بعد أن يتم تأهيلهم في معاهد مؤسسة التعليم الفني والتدريب التقني لنتغلب على البطالة وفق القواعد العالمية لا وفق القواعد المحلية المتغيرة والمثيرة للجدل.
ختاما أتطلع إلى أن تتكامل وزارة العمل مع منتدى الرياض الاقتصادي والجامعات الأهلية لتطوير قالب منهجي لتطوير الموارد البشرية الوطنية بما يتناسب ومتطلبات الأسواق المحلية والدولية لتخريج دفعات جديرة بالوظائف المتاحة والفرص الاستثمارية المتوافرة والتي تولدها الأسواق لتتحول من الحلول الآنية المثيرة للجدل إلى الحلول المستدامة التي تحقق رضا كل الأطراف المعنية بتوظيف الموارد البشرية الوطنية والحد من البطالة وآثارها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي