استدامة الطاقة في الخليج.. السعودية مثالا (1 من 2)
إن العالم يعرف منطقة الخليج العربي والسعودية بوجه خاص كمركز مهم لإمدادات الطاقة وسوف تستمر هذه المنطقة في لعب هذا الدور لعقود طويلة مقبلة، لكن الملاحظ أن الاقتصادات الخليجية أصبحت هي نفسها سوقا سريعة النمو للطلب على الطاقة بجميع أنواعها، حيث إن الطلب على الطاقة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي الست، مع إيران والعراق ارتفع بنحو خمسة أضعاف منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
نمو الطلب لدول مجلس التعاون الخليجي الست وحدها تجاوز نمو الطلب على الطاقة في جميع المناطق الرئيسة الأخرى في العالم بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل - بل تجاوز حتى أسواق الطاقة المتنامية بسرعة في منطقة آسيا - المحيط الهادئ. بالطبع أن الثروات الطبيعية لمنطقة الخليج العربي ما زالت وفيرة وأن المنطقة سوف تستمر كمركز رئيس لإمدادات الطاقة، خصوصا النفط والغاز الطبيعي لعقود طويلة مقبلة، إلا أن ارتفاع الاستهلاك المحلي للطاقة يتطلب التفكير بطرق جديدة ومبتكرة للاستهلاك، في منطقة تعتمد اقتصاداتها اعتمادا استثنائيا على العائدات من صادرات الطاقة. لوضع الأمور في نصابها، من المفيد جدا مراجعة بعض الحقائق والإحصائيات في هذا الجانب.
إن منطقة الخليج العربي، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل، كان ينظر إليها لفترة طويلة بوصفها منطقة هامشية من حيث الطلب على الطاقة. إذا أخذنا في الحسبان الأرقام المطلقة، فإن المنطقة ما زالت تعد مستهلكا صغيرا مقارنة بمناطق العالم الأخرى ذات المستويات العالية من الطلب على الطاقة، مثل أمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا. على سبيل المثال في عام 2011، بلغ استهلاك دول الخليج من الطاقة الأولية نحو 615 مليون طن مكافئ نفطي، هذا الرقم يمثل أقل من 6 في المائة من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة، لكن إذا نظرنا من ناحية نصيب الفرد الواحد من استهلاك الطاقة، فإن الصورة سوف تكون مختلفة تماما.
حيث إن نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في منطقة الخليج عال بشكل استثنائي، ونصيب الفرد من استهلاك الطاقة في قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت مرتفع بشكل خاص - على سبيل المثال - أكبر من نصيب الفرد في المناطق الصناعية الكبرى مثل أمريكا الشمالية. السبب في ذلك يعود إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني في جميع دول الخليج، إضافة إلى ارتفاع مستويات المعيشة.
هناك سبب آخر لهذه النسبة العالية في استهلاك الفرد للطاقة في منطقة الخليج، وهو كون أسعار الطاقة في السوق المحلية الخليجية تعد الأقل في العالم في جميع المجالات: مثل الكهرباء والبنزين والمياه المحلاة، النفط الخام، والغاز الطبيعي، والمنتجات النفطية الأخرى؛ حيث يتم - عادة - تسعير الطاقة بأسعار تكلفة الإنتاج بدلا من قيمة الصادرات الدولية، في أحيان كثيرة حتى أقل من تكلفة الإنتاج، وهذا يضع ضغوطا على الميزانية الحكومية، والأهم من ذلك يشجع على الاستهلاك المفرط وهدر الطاقة.
على سبيل المثال: النمو السنوي في استهلاك الطاقة في المملكة العربية السعودية راوح بين 6 و8 في المائة خلال العقد الماضي، استهلاك الطاقة الكهربائية وحدها نما خلال العقد نفسه وما زال بنسبة 8 في المائة سنويا في المتوسط. النمو في استهلاك البنزين والديزل والنفط والغاز ليس بعيدا عن هذه النسبة. هذه النسب في معدل النمو على الطاقة لا تعكس النمو الطبيعي للزيادة في الاستهلاك، حيث إنها أكثر من ضعف كل من النمو السكاني والنمو الاقتصادي الحقيقي للمملكة، حيث إن انخفاض أسعار الطاقة يقلل الحافز لدى المستهلك لتحسين كفاءة الطاقة أو تقليل الهدر منها، كما يقلل من أي حافز للبحث عن بدائل أخرى لاستهلاك النفط والغاز ومشتقاتها.
يشكل هذا النمط من الاستهلاك المفرط والهدر في الطاقة معضلة مزدوجة لكثير من دول المنطقة المنتجة للطاقة، حيث إن ارتفاع مستويات الاستهلاك المحلي سوف يخفض الصادرات، ما يؤثر في الإيرادات الحكومية وفي الوقت نفسه يستنزف الموارد الطبيعية المحدودة. على سبيل المثال: الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية الأستاذ خالد الفالح دق علنا ناقوس الخطر في مناسبات عدة على مدى السنوات الماضية، حيث أشار إلى ''أن نمو الاستهلاك المحلي للطاقة قد يقلص صادرات المملكة من النفط الخام بنسبة تصل إلى 3 ملايين برميل في اليوم: بحلول عام 2028 إذا لم يتم اعتماد تدابير تحسين الكفاءة''.