رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


القادرون على التوثيق .. صالح بن حميد مثالاً

من الجوانب التي نحتاج إلى تقويتها والاهتمام بها (وما أكثرها) التوثيق الذي يحفظ للأمة تاريخها وتراثها والمهام التي قام بها الرواد في مواقعهم المختلفة على مر العصور والأزمان .. ويعود النقص الظاهر في هذا الجانب إلى عدم وجود جهة متخصّصة تُعنى بالتوثيق .. وتشير الجهود المبذولة أخيراً إلى أن دارة الملك عبد العزيز تهتم كثيراً بالتوثيق، ليس فقط فيما يتعلق بتاريخ الملك عبد العزيز (رحمه الله)، وإنما في شتى المجالات العلمية مثل تاريخ مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة .. بعد تأسيس مركزيْن تاريخييْن فيهما يرتبطان بالدارة.
ولكي يكون التوثيق معتمداً ويقوم على الأسس العلمية للتوثيق فإنه يجب أن يسند القيام به للقادرين على التوثيق في مختلف المواقع والتخصّصات .. حتى يكون المنتج معبراً عن الواقع وموثقاً بطريقة صحيحة ومدعوماً بذكر المراجع بعيداً عن المبالغة والحشو الذي لا لزوم له.
ولقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على نموذج مشرّف من التوثيق قام به فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد المستشار في الديوان الملكي وإمام وخطيب المسجد الحرام ويقع في خمسة مجلدات بعنوان (تاريخ أمة في سير أئمة) وبأسلوبه المعروف في خطب المسجد الحرام أي التوثيق التاريخي المقدم بأسلوب سهل لا يستعصى على القارئ غير المتخصّص جاءت مادة هذه المجلدات الخمسة وكشفت لنا جوانب لم يكن أكثرنا يعرفها عن أئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي ومن ذلك أن الملك سعود "يرحمه الله" أمَّ المصلين في الحرميْن الشريفيْن أكثر من مرة، كما أمَّ الملك فيصل (يرحمه الله) المصلين في المسجد الحرام فقط .. وقد يعتقد البعض أن التوثيق لأئمة الحرمين البالغ عددهم 1321 منذ عهد النبوة أمراً سهلاً وحتى الشيخ بن حميد يؤكّد أنه هو أيضاً ظن أن لا صعوبة في ذلك، خاصة أن تاريخ مكة المكرّمة ميسّر ولكنه وجد الأمر أصعب مما تصوّر حيث إن تاريخ الأئمة في الحرميْن ظل مهملاً .. ولذا فإن هناك 336 إماماً لم يتمكّن من الحصول على تراجم لهم ولم يهمل الموثق توسعات المسجد الحرام منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى العهد الحاضر، كما تطرق إلى توسعات المسجد النبوي أيضاً.
ومن الملاحظات الشكلية وإن كانت لها دلالتها المهمة أن الكتاب بمجلداته الخمسة قد خلا من الصور مما يجعله مرجعاً علمياً يهتم بالمعلومة الموثّقة ويبتعد عن الألوان الزاهية والصور التي تصرف نظر القارئ وتقلل من تركيزه على النص وهي لا ضرورة لها في كتب التاريخ والتوثيق.
وأخيراً: تحية لمركز تاريخ مكة المكرّمة على هذا الإصدار العلمي القيم ودعاء بأن يعين الله المؤلف الشيخ صالح بن حميد على إصدار المزيد من كتب التوثيق في مجال تخصّصه، ودعوة لدارة الملك عبد العزيز لدراسة فكرة إيجاد مركز للتاريخ في كل منطقة من مناطق بلادنا لكي ترعى عملية التوثيق التاريخي بشرط أن يسند أمر التوثيق (كما ذكرت من قبل) إلى القادرين عليه أمثال الشيخ صالح بن حميد وآخرين في شتى المجالات والتخصّصات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي