أسئلة حول صناعة السيارات
كثير من دول الاقتصادات الصاعدة مرت بمرحلة سبقت الرغبة في التحول من اقتصاد مستورد إلى اقتصاد مصدر للمنتجات بمختلف أنواعها. هذه الرغبة الجامحة كانت مأخوذة - إلى حد كبير - بالتجربة اليابانية التي انتقلت باليابان خلال فترتي الستينيات والسبعينيات الميلادية إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى. وخلق ذلك بين الدول الآسيوية تنافساً جديداً على التصنيع والتصدير، ما دفعهم إلى استنساخ نموذج لا تتوافر لديهم العوامل الرئيسة لنجاحه، في محاولة لصناعة الرمز الصناعي الذي يشار إليه بالبنان في العالم كصناعة متميزة لهذه الدولة، لكن هذه الرغبة الجامحة أدت إلى الوقوع في أخطاء قاتلة لهذه الاقتصادات كان ثمنها باهظاً جداً، ومن الصعب تعويضه.
كوريا الجنوبية بنت صناعات كبيرة، كـ: هيونداي، سامسونج، دايو، وسانق يون، وغيرها من الشركات الخاصة الكبرى التي تمتعت بدعم كبير ورعاية من الدولة، لكنها اتسمت بعدم الكفاءة وبالتنوع والتنافس فيما بينها، والاعتماد اللا متناهي على الامتيازات التي تعطيها لها الدولة، ما مثل غطاءً رسمياً لأنشطتها، على الرغم من ملكيتها الخاصة. وهذا سهل لهذه الشركات إمكانية الحصول على القروض قصيرة الأجل من الأسواق المالية الدولية، التي أسهمت بشكل كبير في إشعال فتيل الأزمة المالية في كوريا الجنوبية خلال فترة التسعينيات الميلادية. إندونيسيا هي الأخرى مرت قبل حدوث الأزمة المالية الآسيوية بمرحلة مشابهة للبحث عن الرمز الصناعي والاقتصادي الذي يحمل عنوان "صنع في إندونيسيا" دون اعتبار للمزايا النسبية التي تحدد الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشاريع الكبرى، كمشروع طائرة الركاب الإندونيسية، بل إنهم سعوا خلال تلك الفترة إلى تعزيز المزايا النسبية لهذا المشروع من خلال حزمة من التدابير والإعفاءات الاستثنائية الخاصة، التي تحمَّل تبعاتها في النهاية الشعب الإندونيسي.
فكرة التأسيس لصناعة السيارات في المملكة فكرة نبيلة وهدف جميل يفخر به كل مواطن، لكن تحقيق ذلك يجب ألا يكون منطلقاً من الرغبة في تحقيق الرمزية في هذا المجال، إنما يجب أن تتعداه إلى الجدوى الاقتصادية من مثل هذه المشاريع. والجدوى الاقتصادية من تأسيس صناعة السيارات تختلف بين نظرة المستثمر التي تركز على صافي الربح النهائي، وما يمكن تحويله من ذلك إلى الشركة الأم في الخارج، وبين المخطط الاقتصادي الذي ينظر إلى هذا الأمر نظرة أكثر شمولية من نظرة المستثمر. العائد الذي نتطلع إليه ويتطلع إليه كل مواطن لا يقتصر على الرمزية المتمثلة في تصنيع الكثير مما نأكل ونشرب ونركب، لكن إلى ما يمكن أن تحققه مثل هذه المشاريع من فرص وظيفية للمواطن بالدرجة الأولى، ومن فتح آفاق جديدة للفرص الاستثمارية، بما ينعكس على التنمية الاقتصادية بمفهومها الشامل. ومن المفارقات العجيبة، أن لنا تجربة مع فكرة الرمزية من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة، لكن تلك التجربة انتهت إلى فشل كبير على المستوى التنموي.
مع الأسف، لم نجد الكثير مما يذكر حول هذا الجانب الأخير، ما يثير القلق بشأن نجاح هذه المشاريع، واستنزافها الموارد، واعتمادها فقط على ما يقدم لها من حوافز من قبل الدولة. ليس هناك اعتراض على فكرة تعزيز البيئة الاستثمارية لكي يتم جذب الاستثمارات والصناعات المتقدمة، لكن يجب أن يكون هناك وضوح فيما يمكن أن تحققه هذه المشاريع من عائد اقتصادي وتنموي على الدولة. بمعنى آخر، لا يمكن تبرير منح الميزات لأي مستثمر أجنبي بما في ذلك المستثمر في صناعات متقدمة إلا على قاعدة العوائد الاقتصادية والتنموية على الاقتصاد بشكل عام، وليس على فئة لا تتعدى مالكي هذه الاستثمارات، لذلك فإن الشفافية مهمة في هذا الجانب، بما في ذلك من يملك المشروع سواءً من الجانب السعودي أو من جانب المستثمرين الأجانب، وما التسهيلات التي قدمت لهذه المشاريع، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والدعم؟ وكم هي تكلفة هذه الاستثناءات والإعفاءات على خزانة الدولة؟ وفي المقابل ما العائد الاقتصاد التنموي الذي ستحققه؟