أسواق النفط في 2013 تحت تأثير قوى متضادة (1 من 2)

مع قرب انتهاء عام 2012، لا يزال العالم يواجه حالة من عدم اليقين حول توقعات أسواق النفط. حالة عدم اليقين هذه تعكس إلى حد كبير عدم وجود رؤية واضحة عن حالة الاقتصاد العالمي والتطورات الجيوسياسية، حيث شهد الاقتصاد العالمي تباطؤا مستمرا منذ بداية عام 2012 على خلفية أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، وضعف الانتعاش في اليابان والتباطؤ الكبير في النمو الاقتصادي لعدد من كبرى اقتصادات الأسواق الناشئة. في ضوء هذه التطورات شهد عام 2012 استمرارا في خفض توقعات نمو الطلب على النفط، في وقت واصلت فيه الإمدادات النفطية من خارج منظمة أوبك وإمدادات أوبك من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية والسوائل النفطية غير التقليدية أداءها الجيد الذي فاق نمو الطلب على النفط. كما أسهم ارتفاع إنتاج النفط العراقي هو الآخر في اختلال التوازن لصالح العرض. ليس من المتوقع أن يتغير هذا الاتجاه في عام 2013، حيث من المتوقع أن يستمر نمو الإمدادات النفطية وارتفاع الطاقات الإنتاجية الاحتياطية، ما يعني استمرار ضعف أساسيات الأسواق النفطية.
في عام 2013، أسواق النفط العالمية ستكون واقعة تحت تأثير قوى متضادة، حيث إن العوامل الجيوسياسية والسيولة التي ضختها البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية ستدعم أسعار النفط العالمية، في حين أن ضعف أساسيات السوق سيشكل ضغوطا تنازلية على الأسعار.
الاقتصاد العالمي: بعد النمو الاستثنائي الذي شهده الاقتصاد العالمي في الفترة الممتدة بين عامي 2004 و2007، على خلفية الاعتقاد الذي ساد على نطاق واسع في حينه بأن العالم قد نجح في تحقيق نموذج اقتصادي جديد قائم على المعرفة الاقتصادية والعولمة الاقتصادية، تراجع الاقتصاد العالمي مرة أخرى إلى مستويات متدنية في السنوات الأخيرة، حيث إن العوامل التي نشطت النمو الاقتصادي خلال فترة الازدهار هي نفسها التي ساعدت على تحفيز النمو السريع وغير المستدام في الائتمان والديون. في ضوء التقديرات الحالية من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.2 في المائة في عام 2013، بعد أن نما بمعدل 3.0 في المائة في عام 2012، مقارنة بمتوسط نمو 5 في المائة خلال فترة النمو الاستثنائي بين عامي 2004 و2007. الصين والهند سوف تقود نمو الاقتصاد العالمي في عام 2013، بمعدل نمو 8.0 و6.5 في المائة على التوالي، في حين من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 2.0 في المائة. من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو نموا إيجابيا طفيفا جدا في العام القادم.
التطورات الجيوسياسية: الخطر الأكبر في هذا الجانب يتعلق ببرنامج إيران النووي والحظر النفطي المفروض عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والعقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة. هناك أيضا خطر دائم من انقطاع الإمدادات من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على خلفية ما يسمى ''الربيع العربي'' الذي لم ينته بعد. استمرار المظاهرات في مصر هي خير مثال على هذا الوضع. منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المسؤولة عن معظم صادرات النفط في العالم لا تزال تعاني تغيرات ديموغرافية واضطرابات اجتماعية. الاضطرابات الجارية في سورية ومخاطر امتداد الصراع إلى مناطق أوسع من شأنها أن تهدد الاستقرار في المنطقة بأسرها. بالتالي المخاطر الجيوسياسية سوف تستمر بدعم قسط كبير في أسعار النفط في عام 2013.
الطلب على النفط: من المتوقع أن يبقى الطلب العالمي على النفط ضعيفا في عام 2013. العوامل الرئيسية التي سوف تؤثر على نطاق واسع على معدل نمو الطلب العالمي على النفط في العام القادم هي؛ أداء الاقتصاد العالمي واتجاهات سياسات الحكومات في مجال الطاقة والاقتصاد، ومن المرجح أن تبقى أوروبا محور اهتمام الأسواق في العام القادم. تشير التوقعات الأولية لعام 2013 إلى نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.8 مليون برميل في اليوم، تقريبا نفس معدل نمو عام 2012. كما هو الحال في عام 2012، نمو الطلب سوف يكون مدعوما بالكامل بنمو الطلب في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، على وجه الخصوص الصين والهند ودول الشرق الأوسط النفطية. حيث من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأكثر من مليون برميل في اليوم، وسيأتي معظم النمو بصورة رئيسية من الصين، التي من المتوقع أن يرتفع الطلب فيها بأكثر من 0.35 مليون برميل في اليوم مقارنة بـ 0.3 مليون في عام 2012، هذا الطلب هو أضعف من متوسط نمو العشر سنوات السابقة، 0.5 مليون برميل في اليوم. من المتوقع أن تشهد أيضا مناطق آسيا وأمريكا اللاتينية ومعظم دول الشرق الأوسط نموا جيدا في الطلب على النفط. من جانب آخر، من المتوقع أن يتراجع الطلب على النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأكثر من 0.2 مليون برميل في اليوم، حيث من المتوقع أن يتراجع الطلب في أوروبا فقط بنحو 220 ألف برميل في اليوم وفي الولايات المتحدة من المتوقع أن يبقى الطلب على حاله في عام 2013. نمو الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الآسيوية الذي كان قويا في عام 2012 (0.36 مليون برميل في اليوم) نتيجة لاستخدام النفط في قطاع الطاقة في اليابان، من المتوقع أن ينخفض إلى نحو (0) في عام 2013، لكن إذا عاد عدد كبير من المفاعلات النووية إلى الخدمة، الطلب على النفط في اليابان سوف يبدأ بالانخفاض.