لماذا أغلب الهيئات الرقابية ضعيفة؟

في السنوات العشر الماضية وفي خطوة إصلاحية أسست الحكومة عدة هيئات تنظيمية ورقابية تعنى بجميع مرافق الحياة مثل هيئة الاتصالات وهيئة سق المال والغذاء والدواء ومكافحة الفساد وتنظيم الكهرباء والماء والمنافسة عدا ما كان قائما وذات طابع رقابي مثل مؤسسة النقد والطيران المدني والمباحث الإدارية وهيئة المقاييس وغيرهم وفي الماضي القريب أقر تأسيس هيئة لتقييم التعليم. الواضح أن الغالبية منها ضعيف والبعض ولد هزيلا. في الأصل تستمد الهيئات الرقابية والتنظيمية دورها وحيويتها من البحر الذي تسبح فيه. في اعتقادي أن الإشكالية الأساسية في هذا البحر الذي تسبح فيه وليس في هذه الجهات التي أصبحت في الغالب عبئا حكوميا مرتفع التكاليف دون قيمة إضافية اقتصادية وتنموية ممكن قياسها والدفاع عنها، فضعف هذه الهيئات أصبح يساهم في الضعف العام على الرغم من ضرورة تواجدها، فكلما تعكر الماء ازدادت الضبابية وصعوبة الرؤيا، وبالتالي دخل اللوم والتحليل المنطقة الرمادية.
في النموذج الناجح اقتصاديا تقوم هذه الهيئات بدور استراتيجي يتعدى دورها التنظيمي والرقابي وخاصة في بلد نام مثل المملكة. فهناك هي مركز معلوماتي واستشاري ومركز قياس (ما لا يمكن قياسه لا قيمة له) وبالتالي لقراراته وتوجيهاته دور في تطوير مجال اختصاصها، فهي مراقب لتطور التخصص علميا واقتصاديا. يصعب أن يكون الرقيب فعالا في ظل ضعف التشريعات اللازمة لتفعيل المنافسة وحالة الاستقطاب الاقتصادية (الدور الحكومي المسيطر من ناحية والمنافسة غير المحكمة من ناحية أخرى) وكذلك الطبيعة الأفقية لكثير من المجالات، فعدم وجود البعد الرأسي لكثير من هذه المجالات يجعل القيمة المضافة محدودة أصلا مما يصعب أحياناً معرفة وتحديد دور الجهات التنظيمية والرقابية. العلاقة الصحية بين الطرفين تحتم تواجد تجاذب (العلاقة العرفية بين الرقيب والمراقب) يخدم القطاع من خلال الحث على المنافسة وضبط المعايير ورفع الجودة.
كيف يمكن أن يكون هناك دور للرقيب على الكهرباء والماء والغاز والخطوط في ظل فصل قرار التسعير عن المنظم الرقيب، وكيف لنا أن نقيم شركات الدواء العالمية بينما الإشكالية الأهم في القطاع التجاري للأدوية من خلال الوكالات الحصرية؟ الدعم يجعل قرار التسعير وبالتالي تحجيم المنافسة بعيدا عن هذه الهيئات ولذلك تنتهي بدور توعوي وإرشادي غالباً لا يمس صلب المهام الرئيسة ولا يتناسب مع تكلفتها الحكومية، وتدريجيا تفقد هذه الهيئات القوة والحيوية وتصبح بيروقراطيات من نوع مكلف ومصدر آخر لتقليل الإنتاجية.

ما الحل؟
في نظري عملت الحكومة الكثير ولكننا لم نعمل القليل الأهم. القليل الأهم في نظري هو التأكد من حيوية المنافسة الشريفة والمقارنة مع المقبول عالمياً والقراءة الصحيحة لحجم السوق ومدى مرونته وسهولة الدخول والخروج والوعي بدور هذا القطاع أو ذلك في الاقتصاد السعودي مستقبلا. تحليل الأسواق والصناعات مهمة تقع على جهات أخرى مثل وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد والتخطيط وبيوت الخبرة المستقلة، ولكن عدم وعي المنظم والمراقب به فجوة قاتلة في دور هذه الهيئات. وأخيرا بدا لي وكأن القائمين على هذه الهيئات غالبا من نفس المجال وفي هذا تجاوز على المختصين في القانون والاقتصاد حيث إن القانون والاقتصاد هما صلب هذه المهام. لذلك لعل الخطوة الأولى هي إيقاف التوسع الوظيفي وإعادة التركيز على القانوني والاقتصادي في إدارة هذه الهيئات مع عدم استبعاد الخبراء والفنيين حسب الموازنة بين التخصص والدور التنظيمي والرقابي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي