النجاح في مؤشرات النضج
عند سماع كلمة نضج يتبادر إلى الذهن النضج البدني، ومع أهميته إلا أن أهميته قد تظهر في مجال دون آخر، إذ إن بعض الأمور، خاصة الحركية، تتطلب نضجاً بدنياً، وأشار القرآن إلى أهمية البسطة في الجسم لتأثير ذلك في الانطباع الذي يحدثه عند الآخرين، ولقدرة الفرد على إنجاز أمور لا يمكن أن ينجزها من يفتقد هذه الخاصية، لكن النضج الذي يهمنا في هذا المقال النضج العقلي والانفعالي، لما لهذين العنصرين من أهمية في مجال الإدارة والتعامل مع الآخرين على وجه الخصوص.
النضج له بعد معلوماتي ومعرفي، خاصة فيما له علاقة بالجهاز الذي يرأسه الفرد، فكلما كان ملماً بالمعلومات ذات العلاقة بالمجال والنشاط الذي تمارسه إدارته كان ذلك أحرى بنجاحه في الإدارة. توافر المعرفة ذات العلاقة بمجال العمل والعاملين يجعل الإداري مقتدراً على فهم ما يتم، وكيف يتم، وأين يحدث القصور، ومتى يحدث، ولماذا يتم بهذه الصورة أو تلك.
الإلمام باللوائح والأنظمة التي تسيِّر المنشأة، أو يفترض أن تسيِّرها، يعتبر أمراً لازماً، فجهل المدير يوقعه في الكثير من المشكلات التي تؤثر في سير العمل، وتحدث تخبطاً وارتباكاً في بيئة العمل، إذ قد تتخذ قرارات مخالفة للنظام، وليس لها سند قانوني، وهذا - في حد ذاته - كافٍ لإحراج المدير، ودخوله في مشكلات مع الزملاء، أو مع من يتعاملون مع الإدارة أو المنشأة. فهم الأنظمة واللوائح ليس في ظاهرها، بل في باطنها، والقدرة على تفسيرها بما يخدم مصلحة العمل دون الالتزام بظاهر النصوص يجنب المدير والمنشأة الكثير من المشكلات.
الذكاء الاجتماعي والقدرة على فهم الآخرين وحسن التعامل معهم وإدارتهم ومحاولة فهم ما يشعرون به ويفكرون فيه تمثل إحدى الخصائص المهمة للإداري الناجح وأحد مؤشرات النضج، فمتى تحلى المدير بالذكاء الاجتماعي زادت قدرته على التأثير فيمن يعملون معه ومن يتعامل معهم وبما يخدم مصلحة العمل. كما أن تلمس مشكلات العاملين سواء تلك التي لها علاقة بالعمل أو حتى خارج العمل، يجعل المدير أكثر قرباً من مرؤوسيه، وهذا يزيدهم حباً له وللمنشأة.
كثيراً ما نسمع أن فلانا في الإدارة الفلانية، أو على رأس تلك الشركة إداري ناجح، ويكثر الحديث عن نجاحه بهذه الصيغة العامة، لكن الغائب في هذا الحكم أو في الصورة التي رسمت بشأن هذا الشخص هو مواصفات النجاح والخصائص التي يتميز بها حتى أصبح يشار إليه بالبنان. ترى ما النجاح الإداري؟ ومتى يكون الفرد ناجحاً؟
في اعتقادي أن مقومات النجاح كثيرة ولا بد من توافرها أو معظمها، خاصة إذا كنا نتحدث عن النجاح الحقيقي، وليس الوهمي، أي النجاح الذي يحقق منجزات على أرض الواقع يعيشها الناس، ويتعايشون معها في حياتهم اليومية. النضج - في اعتقادي - يمثل حجز الأساس في خصائص، ومواصفات الفرد الناجح، وحين نتحدث عن النضج نشير إلى أبعاد متعددة، نضج في الشخصية في مشاعرها، واتجاهاتها، واتزانها في التعامل مع الآخرين، وفي الظروف التي تمر بالفرد، إذ لا يمكن اعتبار مَنْ ينفعل ولأتفه الأسباب ناضجاً "ليس الشديد بالسرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، فمن ينفعل ويغضب بسرعة يصعب التعامل معه، كما يترتب على غضبه انفضاض زملائه عنه وتردي العلاقات معه.
التحمل وسعة الصدر خاصية من خصائص الإداري الناجح التي تعد أحد عناصر النضج بمفهومه الشامل.
المشكلات الأسرية والاقتصادية التي تمر بزملاء العمل ومحاولة المساعدة على حلها وتجاوزها والوقوف معهم فيها سيكون عاملاً مقرباً بين المدير والعاملين معه، وما من شك أن المدير لن يكون قادراً على حل كل المشكلات، كما أنه لا يتوقع أن يكون جمعية خيرية، ويكفي أن يتعاطف ويشعر بهم، ويسهم برأيه ومشورته، فهذه تشكل دعماً نفسياً واجتماعياً يقوى من قد يمر بمشكلة أو أزمة، ويشعر بالامتنان لهذا الموقف، ومن ثم يزيد انتماءً لبيئة العمل ويعطيها الكثير من جهده.