قوة التقدير في إدارة المخاطر

قوة التقدير في إدارة المخاطر

صدر الكثير من التوضيحات لاستجلاء واقع الأزمة المالية – فشملت ضعف الإشراف الرقابي للمخاطر، وعدم فاعلية الأنظمة والإخفاقات في العمليات. غير أن "مخاطر الأفراد" ينبغي أن تظهر بجلاء أكبر في تحليلنا، ورغم حيازة الأفراد مهارات ومعارف محددة، إلا أن ذلك لم يمنع الإخفاق في الحكم المتوصل إليه داخل المصارف، الأمر الذي أفضى إلى سلوك غير ملائم ومحفوف بالمخاطر. ومن ثمّ، أصبح هناك تحد ماثل أمام المصرفيين إزاء التحقق من حيازة العاملين لديهم التأهيل المناسب لاتخاذ القرارات الصحيحة. وهذا التحدي قائم حتى في الأسواق التي لم تتضرر نسبيا بالأزمة المالية.
وفي إطار الدراسات الاستقصائية والمحادثات، يقوم مديرو المخاطر بتقييم المهارات والمعارف والكفاءة على أنها عوامل حاسمة في الحيلولة دون وقوع أزمة أخرى، ويقومون أيضا بتحديد التدريب على أنه أساسي لتحسين إدارة وحوكمة المخاطر. والمزايا جلية واضحة – إذ تتمثل في إذكاء ثقافة الوعي بالمخاطر، وخفض الخسائر، واتخاذ قرارات أفضل إزاء معادلة المخاطر والعوائد، وتحسين الوضعية التنافسية في نهاية المطاف.
ومن خلال العمل مع المؤسسات المالية والتدريبية في المنطقة انتهينا إلى أن الكثير من برامج التدريب تركز على ما يحتاج إلى أن يعرفه الإخصائيون الماليون. وإذا طرحنا سؤالاً بديلاً عن نوعية المهارات التي يحتاج إليها الإخصائيون الماليون في الشرق الأوسط لممارسة مستوى أفضل من الحكم والتقدير إزاء القرارات المتأثرة بالمخاطر، فسيكون بوسعنا التركيز على الكفاءات التي من شأنها الإسهام في تحقيق النتائج المنشودة؛ من بينها:
• فهم سياق القرارات: مدى تأثير القرارات في المؤسسة المالية، ومدى ارتباط استراتيجية المؤسسة المالية ورسالتها وسياستها بقراراتها، ومدى تأثير الالتزامات التنظيمية في القرارات.
• القدرة على "تطبيق" المهارات الفنية في السيناريوهات الواقعية: كيفية الذهاب لما خلف النظرية لطرح الأسئلة الصحيحة، وتحليل المعلومات وتجميعها، وإصدار التوصيات العلمية.
• فهم الأبعاد السلوكية والأخلاقية للقرارات: يجب على المصرفيين مراعاة مدى تأثير هياكل الحوافز في القرارات، والحالة النفسية المؤثرة في قراراتهم، والمسؤوليات تجاه العملاء وغير ذلك من عناصر العمل، وكذلك المسؤولية للقيام بما هو صحيح.
ثمة خطوات خمس عملية لإعادة توجيه فلسفة التدريب بما يتيح تطبيق تلك المبادئ داخل مؤسستك.
1. اطرح الأسئلة الصحيحة بشأن المهارات والحكم التقديري .. ما الكفاءات التي تركز – وينبغي لك أن تركز – عليها؟
2. اطرح الأسئلة الصحيحة بشأن برامج التعلم لديك .. هل أهداف التدريب المقدمة لديك مناسبة لتلبية احتياجات المؤسسة المالية المعاصرة؟
3. تشخيص الكفاءات. حدد مواطن القصور من خلال التقويمات الكيفية (الاستبيانات والأنشطة القائمة على الممارسة) والكمية (الاختبار).
4. تصميم البرامج بحيث ترأب الفجوات في الكفاءات المطلوبة.
5. تقييم ما إذا كانت الدروس والرسائل قد جرى استيعابها بما يتيح تطبيقها لتحقيق النتائج المنشودة.
استجابةً للأزمة المالية، رأينا مؤسسات مالية في مختلف أنحاء العالم تعيد تقييم نماذج المخاطر لديها، وتحدّث أدواتها البرامجية، وكذلك ما تنتهجه من عمليات واستراتيجيات لإدارة المخاطر، فضلاً عن التركيز بصورة متسقة على شهية المخاطرة والحوكمة. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، نرى المصارف تتجه حالياً إلى تخصيص استثمارات كبيرة فيما يتعلق بتنمية العاملين لديها. وكما هي الحال مع المصارف الكبرى في المناطق الأخرى، ثمة رغبة في "إعداد مصرفيين شاملين" قادرين على التواصل مع العملاء بشأن احتياجاتهم المصرفية الكاملة. ويجب عليهم استيعاب استراتيجية المؤسسة وكيفية الإسهام في تحقيق المؤسسة لأهدافها التجارية مع إيلاء العناية المناسبة لثقافة المخاطر وشهية المخاطرة. وتعتبر البرامج الهادفة إلى إرساء واستدامة ثقافة موحدة للتعامل مع المخاطر من مواطن التركيز الأساسية في برامج التوعية لدى عدد من المصارف الكبرى العاملة في منطقة دول مجلس التعاون.
إن حلول التدريب التي تجمع بين المعرفة الفنية والمهارات الشخصية تسهم في تخفيف "مخاطر الأفراد" من خلال الارتقاء بالقدرة على الحكم والتقدير. ويعتبر الاستثمار في التدريب استثماراً صغيراً مقارنة بالتكلفة المحتملة التي قد تترتب على تجاهل المخاطر.
مدير أول إدارة التدريب والشهادات في مجال الخدمات المالية – مؤسسة Moody’s Analytics

الأكثر قراءة