رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ولو بالمطبخ!

.. كان "فرانكلين روزفلت"، الذي قد يكون واحداً من أعظم رؤساء أمريكا، يحب أن يروي عن نفسه الحكايات، ويشتري رأسَه من المنتقدين اللاذعين.. فهو يروي مرة لصحافيين تحلقوا حوله مع موجة من الرجال أسماك القرش - وهم سليطو اللسان من التجمعات المعارضة - وبعض الكارتلات والتكتلات التجارية، فيقول لهم: هناك شخص من وول ستريت، يكرهني كُرها جما، وكل يوم يمر على صبي الجرائد ثم يطالع الصفحة الأولى من "نيويورك تايمز"، ثم يعيد الجريدة للصبي، ويركب القطار متابعا رحلته اليومية.. كل يوم يكرر الطقوس نفسها. في يومٍ جمع الصبيُ كل جرأته وسأل الرجلَ المضارب في البورصة: قل لي يا سيدي، لمَ تطالع كل يوم الصفحة الأولى فقط من الجريدة ثم تعيدها؟ فرد عليه الرجل - لأني أتابع تطويب متوفَّى. فرد عليه الصبي قائلا: ولكن تطويب الوفيات بالصفحة الأخيرة!؟ فرد الرجل: "يا بني، ابن الذين الذي أنتظر وفاته سيظهر قطعاً في الصفحة الأولى.."، وضحك المجتمعون الناقدون، وكان أعلاهم ضحِكاً راوي الحكاية روزفلت!
انتبهوا، الله يخليكم، في ذاك الوقت، كان روزفلت يعالج أكبر مصيبة اقتصادية حلّت على رأس أمريكا في أواخر العشرينيات وأول الثلاثينيات، التي تسمى فترة الكساد الكبير، وجاء ليصلح ما فسد، ويقوّم عروق الاقتصاد، ويعيد هيكلة نظرية الرأسمالية الآدم - سميثية من جذورها، ووضع إصلاحات موجعة لقطاعاتٍ اقتصادية كبرى، ولكنها في النهاية ستعود للجميع بالفائدة.. ولكن النظرة القريبة للربح وقلة الصبر وما يسميه التجار بكشط كريمة السوق وقوى سياسية أخرى عنفته.. بعد سنين جعلوه بطلاً. وكان روزفلت قد اتضحت لديه الرؤية الكبرى ليس في ليلةٍ وضحاها، وليس لأنه شاور نفسه أو مجموعة قليلة تعمل بأمره، وليس كرد فعلٍ سريع للتخلص من مخالب عالقة بظهره، ثم فليحصل ما يحصل.. بل استدعي أدمغة أمريكا من كل قطاع حتى قطاع الشِعر والفكر إلى صُنّاع السيارات والطائرات والمعامل، وأساتذة الجامعات ومضاربي السوق، وتجار التجزئة الصغار، وعمل ما سمّاه المعارضون لجنة المطبخ، حيث إنه شكّل لجنة مركزة من المجاميع التي تعكف على دراسة تشخيص حالة الاقتصاد ثم حله. لماذا المطبخ؟ حسنا، حتى يقوم مَن يريد في أي وقت ويدخل مطبخ المدام روزفلت وتعمل له شطيرة أو يعملها بنفسه مع قهوة ساخنة – كما نقول بالدارجة ليكون الجوّ أريحيا - ويكملون اجتماعات تربط الليل بالنهار، وخرجت أمريكا من أزمتها وأشرقت أكبر شمس اقتصادية في تاريخها.
قماشُ الاقتصاد هشّ جدا، واللعبُ بهذا القماش الهش قد يمزقه، وإن تمزق القماشُ فرأبُه من جديد يكون كاجتراح المستحيل، انظر إلى كوارث 78م والعام القريب 2007 وعام 2009، وسبب هشاشته أنه متتابع كالدائرة النهاية تسلمك للبداية، ولكن مع دوّامةٍ تتعاظم تجعل الرؤوسَ تدوخ..
الآن رجل الأعمال والوزير السيد عادل فقيه، يتعرّض تماما لما تعرّض له روزفلت الرئيس الأمريكي، إلا باختلافين مهمين: أن فقيه ليس رئيسا، وأن فقيه أيضا لا يروي الروايات الانتقادية عن نفسه كما كان يفعل روزفلت، لذا تكفل المنتقدون وحدهم بذلك. السؤال: هل ترى وزارة العمل ما لم نرَه؟ أم أنه تخلص ظهر الوزارة من مخالب أوغرت بظهرها ولا تُلام إن تخلصت منها؟! ثم هل هناك دراسات استغلت قدرات البلاد وأدمغتها للخروج بقرارت ترأب القماش الهش للاقتصاد الذي سيضرب رأس المستهلك الأخير على أم رأسه إن تمزق. أبسط نظرية - إلا إن كانت نظرتنا مسطحة وساذجة – تقول: عالج المشكلة كالتالي1 - معرفة أسبابها 2 - تشخيصها 3 - حلها من جذورها، أو استئصالها كما يقول الجرّاحون. ثم شيء آخر قد يكون أهم: دراسة العواقب، ومتابعة النتائج، فقد تكون أذكى نظرية، فوضى حقيقية على الواقع.
بالقرارات الشهيرة للوزارة أرى النتئج قد تصل للتالي: إما أن تقفل منشآت خصوصاً الصغيرة وتقلص أعمال كبيرة، فتضيق دائرة توظيف السعوديين، ويتعطل رتم الأداء الاقتصادي الكلي.. أو يرفع التاجرُ سعرَه، وعلى فكرة، رفع السعر عند التجار ردّاً استجابياً غريزياً فورياً سهلاً.. ولو انتهت المشكلة التي رفعت الأسعار، لا تنخفض الأسعار بالسرعة نفسها .. إن انخفضتْ!
رأيت شابا مع زوجته يتردّدان أمام دجاجة صغيرة يشتريانها أم لا بـ 18 ريالاً، والشاب يقول: والله كانت بثمانية.. عرفت أن قماشاً قد تمزق!
الشاب السعودي يجب أن يكون له ممر وظيفي يترقى فيه، وليس موظفا "كيفما كان" ثم يبقى المسكينُ كذلك طيلة حياته. كما أن العامل السيكولوجي الذي سيجعل التاجرَ يوظف قسْراً، والموظف يأتي لعمل يعلم أن صاحبه مغصوب عليه، لن تكون بأية حال بيئة عمل تطويرية صحية منتجة.
.. يا جماعة فلندرس الأسباب، لا تجنب ردودها لمّا تحصل.. ولو بالمطبخ!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي