رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعودة بحاجة إلى حلول ذكية وابتكارية

مجموعة من المستثمرين السعوديين يفكرون جديا في إغلاق مطعم استثمروا به أكثر من مليون ريال لارتفاع تكاليفه بسبب نظام رسوم العمالة الجديد، الذي أضاف حوالي 6000 ريال شهريا كتكلفة غير محسوبة من الأساس، إضافة لارتفاع تكاليف إيجار العقار الذي لا يحد ارتفاعه نظام، والمواد الغذائية التي تتزايد هي الأخرى، هؤلاء وأمثالهم من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة كثيرا ودائما ما يكونون ضحية القرارات المفاجئة التي تفرض بنود تكاليف جديدة غير محسوبة، أما رجال الأعمال الكبار فأولئك لهم قصة أخرى، ومن جهة عموم المواطنين فعادة ما يكون المواطن ضحية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
من أمثلة معاناة المواطنين من قضية ''السعودة'' ارتفاع رسوم تأشيرة العمالة المنزلية من صفر ريال إلى 1000 ريال ثم 2000 ريال بناء على توصية من مجلس الغرف تقول بضرورة تحصيل رسوم لتأشيرة العمالة دون العمالة المنزلية، لتوفير أموال لتدريب العاطلين ودعم رواتبهم، وهي رسوم لم تذهب لهذا الصندوق وفرضت على العمالة المنزلية، واستقر الأمر أخيرا بعدما أصبحت الألفين ريال من حق خزينة الدولة على إضافة رسم عمالة بواقع 100 ريال على كل عامل وافد في القطاع الخاص لدعم صندوق دعم العمالة الوطنية، والذي وفر أموالا هائلة للصندوق مكنته من دعم العمالة الوطنية في قطاعات عدة.
واليوم بسبب القرارات ذات الصلة بالسعودة يخشى المواطنون ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب انعكاس ارتفاع رسوم العمالة في مجال البناء والصيانة والإصلاح وغيرها على أسعار الخدمات والمنتجات ذات الصلة بالعمالة، وهو أمر متوقع، حيث سيحملها المستثمرون القادرون على الاستمرار في ظل هذه الرسوم على المستهلك، في حين سيلجأ من لا يستطيع الاستمرار للإغلاق ليصطف إلى طوابير العاطلين كما يفكر الكثير من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي يأنف المواطنون السعوديون عن العمل بها لأسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية.
المواطن وبعض رجال الأعمال والحكومة في هم البطالة سواء، فالكل يريد معالجة بطالة القوى العاملة الوطنية في بلد يعمل به ملايين الوافدين، والحلول تتحرك في مسارات متعددة بعضها فاعل وبعضها معوق للتنمية، لأن القرارات صنعت واتخذت دون شراكة ورؤى مشتركة، حيث تواصل وزارة العمل إطلاق برامج ومشاريع لتوطين الوظائف في قطاعات أو مجالات معينة دون تهيئة أو من خلال حوارات غير منهجية أو علمية أو تتخذ بشكل مفاجئ، لينتج الخلاف، ولنا في سعودة سائقي ''التكاسي'' ومحال الذهب ومحال الخضار مثالا حياً على عدم نجاح أفكار وقرارات تفتقد الرؤى المشتركة والدراسات العميقة والتهيئة على أسس منهجية علمية.
فشل سعودة سائقي التاكسي ومحال الذهب ومحال الخضار والآثار السلبية التي ترتبت على ذلك ما كانت لتكون لو أن هناك منهجية ناجحة لشراكة في صناعة واتخاذ وتطبيق القرار بين وزارة العمل وممثلي القطاع الخاص وممثلي الرأي العام.
آلام المواطنين من ارتفاع تكلفة العمالة المنزلية من جهة ارتفاع تكلفة التأشيرة وما نشأ عنها من ارتفاع تكاليف مكاتب استقدام العمالة المنزلية، حيث فرضت الدول المصدرة للعمالة رسوما مشابهة اقتداء بقراراتنا الجديدة ما كانت لتكون لو أن هناك دراسات تراعي الآثار السلبية للتضخم على المواطنين، خصوصا أن العمالة المنزلية ليست ترفاً كما يصورها البعض، بل ضرورة في ظل عمل الزوجين ومكوثهما لساعات طويلة خارج المنزل.
بعض المواطنين وبدعم من بنك التسليف والادخار أو بتمويل ذاتي توجه للاستثمار في منشآت اقتصادية صغيرة أو متوسطة بات هو الآخر تحت مخاطر القرارات المتعجلة وغير المدروسة والتعسفية، والتي تفرض عليه قيودا أو تحمله تكاليف جديدة غير محسوبة، وهؤلاء المواطنون الذين استجابوا لحملات التوعية والنداءات للعمل الذاتي يقولون ما ذنبنا بأن نتحمل فشل بعض الأجهزة الحكومية في تأهيل الشباب السعودي ليكون منافسا للعمالة الوافدة، وفي جذب الاستثمارات المولدة للوظائف الكبيرة، وفشلها في تطوير متسارع يوازي النمو السكاني لقطاعات مولدة للوظائف كقطاع السياحة وقطاع الصناعات البتروكيماوية الوسيطة على سبيل المثال.
الرسوم على العمالة الوافدة يرجح أن تثقل كاهل المستثمر في المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتوفير 1,2 مليون وظيفة لعاطلين معظمهم من النساء، في بلد يعمل به أكثر من ثمانية ملايين وافد يحولون حوالي 100 مليار ريال سنويا، وبالتالي علينا أن نتخذ قرارات مؤلمة لمعالجة البطالة بتوطين الوظائف، وهو كلام غير مقنع، فأي متخصص يرى في هذه المداخل العاطفية معلومات معالجة بطريقة غير منطقية للوصول لمعرفة مضللة، وبالتالي مواقف غير صحيحة، إذ إنه وكما نعلم أن ارتفاع دخل المملكة والنشاط الاقتصادي والزيادة في السكان والحاجة للمزيد من العمالة الرخيصة في وظائف منزلية ومهنية لا يقبل عليها ولا يرغب بها المواطنون هو العناصر الرئيسية لزيادة العمالة الوافدة والتحويلات.
هناك تجارب دولية خصوصا في الدول الأوروبية لمعالجة البطالة بحلول ذكية وابتكارية تتطلب جهودا كبيرة وخروجا من المكاتب إلى الواقع والعمل الجاد المتواصل، حيث ربط التعليم والتدريب بالتوظيف وتأهيل القوى العاملة في مجال معين، إضافة لقدرته لتحويل وظيفته أو مهنته بشيء من التدريب كلما تحول أو تغير الطلب النوعي للوظائف في السوق، ولكن وزارة العمل تحجم عنها وتتجه للحلول الكسولة التي تحمل المشكلة على كاهل المواطن أو رجل الأعمال، وعليه أن يتدبر أمره وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، إذ إن مثل هذه الحلول لا تنبت الورود بقدر ما تنبت الشوك لكافة الأطراف.
ختاما، أعتقد أن معالجة البطالة من خلال مفهوم وبرامج السعودة ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمان هي معالجات غير ناجحة وفاعلة كما ننشد جميعا، لأنها ترتكز إلى منهجية التجربة والخطأ، وهي منهجية غير مؤثرة كثيرا، وهو ما جعل السعودة رغم سمو ونبل غايتها وأهميتها وضرورة نجاحها قضية مفزعة لرجال الأعمال، وبالتالي علينا التحول السريع للحلول التي ترتكز على الدراسات والبحوث، والاستفادة من التجارب العالمية، إضافة للشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص الذي يعتبر المُوظِف الأكبر للعمالة الوطنية والوافدة معا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي