رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ثوابت المناهج الدراسية (2 من 3)

البعض في طرحه موضوع المناهج الدراسية قد يجتهد ويقترح إلغاء مادة من المواد أو يقترح تقليص حصص مادة أخرى، وذلك بناء على خبرة شخصية محضة، إذ قد يكون تعثر في الرياضيات حين دراسته، أو أحد أبنائه كذلك، لذا لا يرى أهمية لهذه المادة. كما أن البعض قد يشتط ويرى أن العلوم الشرعية أو الإنسانية والاجتماعية لا فائدة من تدريسها، وهو بهذا الطرح يناقض مسلّمات تربوية أجمعت عليها المجتمعات قاطبة باختلاف أديانها وثقافاتها، ونظمها السياسية، لأن كل المجتمعات تسعى إلى تحقيق مفهوم المواطن الصالح، وذلك من خلال المؤسسات التربوية، وهذا المواطن لا يمكن إيجاده ما لم يتم الاهتمام بثلاثة مجالات هي المجال الوجداني الذي يعنى ببناء العقيدة والاتجاهات وتشكيلها، والميول وتنميتها وتعزيزها والقيم. أما المجال الثاني فهو المجال العقلي الذي يستهدف تنمية القدرات وطريقة التفكير لتوجد لديه الآليات التي تمكنه من الإسهام في البناء من خلال الإنتاج العقلي القادر على الإبداع والتفكير السليم. أما المجال الثالث فهو المجال الحركي والمهاري الذي تحتاج إليه المجتمعات في الصناعات والأعمال مهما اختلفت مجالاتها.
تركيبة المنهج لا بد لها من أن تكون متوازنة تراعي المجالات الثلاثة، وأي إخلال في العناصر المشكّلة للمنهج يؤدي إلى الإخلال في نوع وطبيعة المخرج التربوي الذي نريده صالحا، كما أشرنا إلى ذلك سابقا. فالاتجاهات الإيجابية وحدها لا تكفي ما لم تكن مدعومة بفكر ورؤية في مجال من المجالات. إن تزامن التطبيق مع التنظير أمر لازم، فالتطبيق وحده يحول الفرد إلى ما يشبه الآلة دون وعي، وتبصر بقيمة وأهمية ودلالة ما يقوم به، إذ لا يمكن الاقتصار في تدريب الطفل على الصلاة كحركات دون استشعار للمغزى التعبدي، والعلاقة مع الله، كما لا يمكن الاقتصار على العرض النظري فقط، إذ لا بد من عرض الكيفية الصحيحة للصلاة حتى لا تؤدى بصورة خاطئة ومخلة.
قد يتساءل أحدنا: هل كل المجتمعات تعنى بالمجالات الثلاثة التي ذكرت؟ ونقول: نعم، في عام 1424هـ وبعد أن زادت الضغوط على المملكة بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر بشأن المناهج، واتهام المناهج الشرعية بالذات بأنها تنمّي التطرف والإرهاب استشعرنا في كلية التربية في جامعة الملك سعود أهمية الانطلاق من منطلق علمي وموضوعي بدلا من الرد العاطفي على التهم الموجهة للمناهج في المملكة، لذا سعينا لعقد ندوة أطلق عليها اسم ''بناء المناهج الأسس والمنطلقات''، حيث أحضرنا مناهج 15 دولة وبلغاتها الأصلية، وشملت هذه الدول الفلبين، سنغافورة، باكستان، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، أستراليا، جنوب إفريقيا، إسرائيل، الأردن، المغرب، السعودية، والإمارات.
وتعمدنا دراسة المواد الإنسانية والاجتماعية في هذه الدول، لأن هذه المواد هي التي تسهم في تشكيل الاتجاهات والعقائد والقيم ومنظومة التفكير، وبلغت بحوث الندوة 42 بحثا، حيث خضعت المناهج للتحليل وفق منهج تحليل المحتوى، وتبين من هذه البحوث الكثيرة من الأمور التي كنا نجهلها بشأن مناهج الآخرين، إذ اتضح القيمة والاهتمام الذي توليه الدول والمجتمعات بمختلف مواقعها الجغرافية ولغاتها ونظمها السياسية وبنائها الثقافي والحضاري لتدريس تاريخها وعقائدها وغرس قيم واتجاهات نحو الآخرين، وتبين السعي الواضح، لتثبيت العقيدة المسيحية واليهودية، وكذلك تبين تكريس المناهج في إسرائيل الكره والعداء نحو العرب ووصفهم بأقذع الأوصاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي