هل إسرائيل قادرة بالفعل على اجتياح غزة؟
تطرقت إلى موضوع احتلال إسرائيل للأراضي العربية، ومنها القصف الدوري لقطاع غزة ونية إسرائيل اجتياح القطاع في مقالات سابقة، بينت فيها تخوفي قبيل الانتخابات المصرية من اجتياح إسرائيل لغزة ومن ثم سيناء حتى تصل إلى القناة وتحتلها. وقد كان ذلك الوقت مناسبا جدا لتنفيذ الاجتياح إلا أنها (أي إسرائيل) فضلت التريث حتى ترى ما سيؤول إليه الحال في مصر، فقد كانت تظن أنها قريبة من الانتخابات المصرية، وأن لها تأثيرا في مجرياتها وكانت تأمل أن يكون الوضع السياسي في مصلحتها إلا أن النتائج خيبت آمالها.
ونريد في هذا المقال أن نخضع تهديد إسرائيل الأخير باجتياح غزة برا للنقاش ومدى إمكانية المضي فيه، وهل إسرائيل جادة في ذلك؟ وإن تجرأت وفعلت فهل تملك القدرة على تحقيق أهدافها والسيطرة على القطاع وفقا للظروف الحالية والمستجدات الإقليمية؟ أرى أنه كان من الممكن أن تجتاح إسرائيل غزة قبل سنة من الآن عندما كانت الدولة المحورية في المنطقة (مصر) منشغلة بتنظيم وضعها الداخلي، فقد كان من الممكن لإسرائيل أن تجتاح غزة، بل حتى سيناء، وقد تصل إلى القناة وتحكم قبضتها عليها، أما الآن فقد اختلفت الأمور وتبدلت الأوضاع ونرى أن إسرائيل لن تستطيع أن تجتاح غزة وإن فعلت فستدفع الثمن باهظا، بل أظن أن وجودها أصبح مهددا لأسباب عدة سنسرد بعضها من منظورنا كشاهدين على مرحلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والحروب العربية - الإسرائيلية.
أول سبب يتمثل في تغير ميزان القوى في المنطقة والوضع السياسي للدول المجاورة لإسرائيل، فعرب اليوم يختلفون عن عرب الأمس، وقصف غزة 2012 يختلف عن قصف غزة 2008. ترك العرب غزة تواجه مصيرها وحدها إبان قصف إسرائيل لها عام 2008 وظلت الحكومات والشعوب العربية في موقف المتفرج تنظر إلى القطاع على شاشات التلفزيون كيف يُبنى ثم يندثرُ دون تحريك ساكن سوى بعض الاستنكارات الخجولة هنا وهناك، بل إن بعضهم لم يتوان في تنظيم المسابقات الترفيهية والعرضات الشعبية والدورات الرياضية وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. أما قصف غزة 2012 فالوضع يختلف، فقد عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا وعلى أثر ذلك قام بعض وزراء الخارجية العرب بزيارة غزة للاطمئنان على الوضع، وهذه سابقة لم نسمع عنها من قبل. كما قام رئيس الوزراء المصري قبل ذلك بزيارة علنية للقطاع ثم أعقبه الوفد التونسي، وهذا يعد تأييدا علنياً ومباشراً من الدول العربية لحماس ولشعب غزة ولسان الحال يقول: القطاع قطعة منا. ولا أظن إسرائيل غافلة عن هذا إلا أنها آثرت الصمت ولم تحرك ساكنا لأنها فقدت كثيرا من مؤيديها، فأصبحت غير قادرة على الضغط على الحكومات والشعوب العربية كما كانت تفعل ذلك من قبل.
كما أن مناصريها من الدول الأخرى بدأوا يفقدون حماسهم بسبب انشغال الكثير من الدول والقوى العالمية المؤيدة لإسرائيل بقضاياها الداخلية ومشكلاتها الاقتصادية والإقليمية، ولم يعد دعم إسرائيل أمرا ذا أهمية بالنسبة إليهم، وترى بعض الدول أن إسرائيل أخذت أكثر مما أعطت، وليس من الحكمة أن تظل تدعم حماقات الدولة العبرية. إضافة إلى أن الضعف دب في جسد الدول العظمى والخور أصبح يسير في أطرافها ولم يعد لديها القوة لمساندة إسرائيل، وإن بدا بعض القيادات المؤيدة لإسرائيل تنعق وتعلن تأييدها الكامل لها وأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها كما فعل "أوباما"، إلا أن الحقائق تقول غير ذلك. وهذا يتجلى في تصريح وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا مطلع هذا الأسبوع اللذين حذرا إسرائيل من مغبة التورط في وحل القطاع، وهذا إشعار مبطن بأن الاتحاد الأوروبي لن يناصر إسرائيل إن أصرت على حماقتها وسيتركونها تواجه النتائج وحدها. كما أن تصريح "أوباما" السالف الذكر وزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية يحمل في طياته الدعم الكامل لإسرائيل، إلا أنه يظهر على شكل دعم سياسي أجوف خال من الحماس.
إضافة إلى كل ما سبق فإن الشعب والرأي العام المحلي الإسرائيلي سئم الحرب وأعياه الرعب والتهديد وأصبح الإسرائيليون خائفين وجلين، وهذا يتضح من تظاهر بعض المواطنين الإسرائيليين مطالبين بوقف القصف على غزة رافعين الشعار والأعلام الفلسطينية.
أما السبب الجوهري لعدم منطقية اجتياح إسرائيل غزة هو أن هذا سيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع مصر، ولن يتوانى المصريون حكومة وشعبا عن مساندة الفلسطينيين، وسيدخل القطاع مقاتلون ليس فقط من مصر، بل من شتى دول العالم الإسلامي، فكيف إذا كان القتال قريبا منهم وضد دولة مغتصبة للأراضي العربية منذ عقود، والمحتلون هم اليهود، وقد أصبح الوصول إلى أرض المعركة يسيرا، فلن يرضى العرب بعد الربيع العربي أن يبقى الفلسطينيون يواجهون مصيرهم على يد العتاد الإسرائيلي كما كان يحدث من قبل، وأظن أن بعض عقلاء إسرائيل مدركون ذلك، خصوصا أن الحرب بين العرب وإسرائيل تحمل الطابع العقدي، فلم يكن الصراع العربي- الإسرائيلي على أرض، بل صراع عقدي صرف 100 في المائة وإن أظهر الساسة غير ذلك.
هذه - في رأيي - أهم الأسباب التي أراها منطقية في عدم جدية إسرائيل في اجتياح غزة برا، بل أظنها غير قادرة، وإن فعلت ودخلت القطاع، فقد أدخلت نفسها في نفق مظلم لن تخرج منه ولن يستطيع حلفاؤها أن يخرجوها منه، خصوصا أنها أصبحت محاصرة من عدة جهات مصر الإخوان من الغرب وحزب الله من الشمال والأردن منشغل بأزمته الداخلية ولن يتلفت إلى حدود الدولة العبرية، كما أن مناصريها التقليديين أعلنوا تخليهم عنها، وها هي تطلب الهدنة مع حماس، لذا أرى أن دولة إسرائيل تقترب من نهايتها، فهي وإن لم تدخل القطاع فإنها تضعف من الداخل وكل ما تفعله الآن لا يتعدى استعراض قوى هشة وليس أمامهم (الإسرائيليون) سوى أن يعيدوا الأرض إلى أصحابها ويبقوا مشردين كما كتب الله لهم، فهذا قدرهم، وإلا سيتبر الفلسطينيون ما علوا تتبيرا.