رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لماذا لا نتبنى تصدير المؤهلين عالمياً؟ (1 من 2)

منذ بداية هذه الألفية تحركت دول عديدة في أنحاء العالم (غير أوروبا وأمريكا الشمالية) نحو التنمية المستدامة ''بشريا'' بخطط جدية ومبادئ غير ما تعود عليها العالم من قبل. لقد بدأت البرامج على المستوى الوطني بالتركيز على قيادة أو تسيد مجال من المجالات علميا وصناعيا مثبتة للعالم أن السلاح والتهديد ليس إلا قوة قهر أما السوق وإغراقها بمنتجات تنقلها من كماليات إلى أساسيات فهي التي ستغير خريطة مراكز القوى العالمية بطريقة غير مباشرة. لقد وجدوا بالبحث والتطوير (R&D) أن مالك المعرفة (فكريا ومهاريا) هو صانع الحضارة وبالتالي هو محرك السوق. فلم يخفوا أعمالهم وإنجازاتهم ولم يتواروا لئلا يكشف أحد أسرارهم؛ بل على العموم أصدروا التقارير وبلغات عدة وبوتيرة سنوية يدولون قضاياهم وينشرون تجاربهم لتكون بين أيدي العامة مثبتة للعالم ثقتهم في ثبات خطاهم وعزمهم على تحقيق النجاح بالجد والكفاح.
هذه النماذج تجعلنا نتوق لأن يكون لدينا مثلها، ولكن لا بد أن نكون مكتشفين طريقة جديدة في التعامل مع هياكل الإدارة المختلفة التي سيعاد فيها النظر قبل كل خطة خمسية أو حتى عشرية. فيكون نموذجنا عالميا هدفه ليس تسيدا لبشر أو تحكما في أسواق؛ بل أن تهوي أفئدة البشر لهذه الأرض الطيبة وأن يسافر منها ممثلون وسفراء مؤهلون ينشرون العلم والمعرفة بعد أن تخضرموا في فترات التعلم السابقة. من المهم أن ينوه إلى أن الاستفادة من النماذج الدولية ليست عيبا. كما أنه لا يمكننا استنساخها تماما لأن الحل لا بد أن ينبع من الداخل وبفكر عاصر الفروقات بين البيئات التي عاش وتعلم فيها.
لقد قضينا عقودا طويلة مستقطبين للملايين من القوى العاملة في المهن والتخصصات المختلفة وبمؤهلات تدرجت من الدبلوم وحتى الدكتوراه. الآن وقد أصبح عدد خريجي الجامعات المحلية سنويا يقارب 100 ألف وسيزيدون بشكل قياسي خلال 5 سنوات. من ناحية أخرى سيعود عشرات الألوف من المبتعثين تباعا يحملون شهادات في تخصصات اعتبرت قبل مغادرتهم بأنها تخدم ''متطلبات التنمية'' بشكل مباشر. وبجانب ما نملكه من قاعدة جيدة لمؤهلين على أعلى المستويات هم الآن في مقاعد التدريس والتدريب والقيادة، فهل من سبيل للتفكير في نموذج عملي يبعدنا عن ضغط مصطلح ''مواءمة المخرجات مع متطلبات سوق العمل''؟ هذا المصطلح الذي أدخل جهات في دائرة المسؤولية واعتبر أخرى مراقبة وغيرها مستوعبا ومخزنا واكتفى بأن تمد الأخريات كل هذه الجهات بالبيانات. لقد بذل جهدا لا يمكن إنكاره لأحد ولكن السؤال هو: ألم نكن نبحث عن نموذج مثالي لوضع الحل لعقود مقبلة؟
المبتعث القادم وكله حيوية ونشاط بعد أن حظي بفرصة العمر يرغب في البدء من حيث انتهى، فإذا كان ما انتهى إليه فكر جديد، وتقنية حديثة، وتعليم متكامل التخصصات، ولغة ثانية أو ثالثة، ومهارات أولية بعد تدريب متخصص لساعات طويلة فأول ما سيعلق عليه ويلاحظه ما إذا كانت البيئة جاذبة أم طاردة. ثم يتساءل: هل يعمل فيما تخصص فيه وتعلمه؟ خريج الجامعات والكليات والمعاهد المحلية لا يقل عنه في تساؤلاته فتلقى تعليمه بين أهله وذويه، ونضجه الفكري بما تعلم وبحث فيه، وتشوقه لأن يصبح مثل أقرانه في أفضل حال، كل هذا سيجعله يتخيل طريقا يختاره لنفسه يحاول أن يعيش به حياة كريمة مع أسرته التي سيكونها ويمضي حياته معها. هؤلاء مع من لم يحظوا بفرص كبيرة مثل الآخرين سيكونون أمام الجهات المختلفة قضايا تحتاج إلى حلول ولكن شريطة ألا تكون وقتية، أما من ناحية الـ(R&D) فما زلنا نكافح ولم نصل بعد إلى درجة الرضا، فهل يمكن أن نبادر بنموذج لا تكون حلوله وقتية؟
بالطبع ما زلنا في حاجة إلى من نستقطبهم، ولكن هل نعرف بالضبط كم مهندسا معماريا نحتاج؟ وكم طبيبا بيطريا يغطي الحاجة؟ وكم مبرمجا في كل جهاز أو قطاع؟ وكم مشغلا لمحطات الباصات والقطارات سنهيئ؟ ... إلخ. الدول أصبحت تملك قاعدة بيانات ونسبا ومؤشرات تنشرها للتشويق والتسويق. وبالتالي أصبحت تملك قائمة لمؤهلين في العلوم المختلفة يتم استقطابهم للدول النامية أو مع دول متقدمة أخرى بالتبادل وبالتالي تكون لهذ العقول مدخلات في نظم غير النظم التي بنيت فيها أو تلقت تعليمها، ما يجعل ما تقدمه مميزا لأنه أصيل، وفي الوقت ذاته عند عودتها ستكون محركا فكريا يضخ في ''سوق العمل'' فتحقق نموا مطردا للقيمة المضافة.
بمقارنة بعض التقارير الدولية في هذا المجال وجدت أن شرق آسيا والغرب الأوروبي والأمريكي يغرقون الإنترنت بإصداراتهم الموثوقة وغير الموثقة، العلمية منها والإعلامية محاولة رسم العلاقة النموذجية بين قطاعات الدولة سعيا وراء طرح استراتيجية محددة ترفع حدة التنافس وتسلط الضوء على ما غفل عنه آخرون. كما أنه على مدى عامي 2011م و2012م استعرضت كوريا واليابان والصين ما لم تستعرضه دول عديدة في الارتكاز عليه كمؤشر وهو ''تصدير أو هجرة العقول (Brain Drain)''. قد تطلق على هذا المصطلح مسميات مختلفة ولكن في النهاية هي انتقال عقول مفكرة من دولة إلى أخرى سواء تحت مظلة مقننة للنشاط أم نشاط فردي. فما النتيجة التي يمكن توقعها من قياسهم هذا؟ بالطبع يتحفظ البعض على تصدير العقول لاعتبارهم أنها هجرة، ولكن قد يصبح للكثير الآن رأي آخر فيه. وللحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي