رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصمت في مواجهة الحرب على النفط

جاء تحذير رئيس شركة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح في ندوة ''أوكسفورد'' لدراسات الطاقة، ''من تراجع ثقة الشعوب بقطاع الطاقة عموماً حول العالم، داعياً الجميع إلى التعاون في معالجة هذا الأمر من خلال إقناع الناس بأن الأولوية هي لتوفير طاقة يمكن الاعتماد عليها وتحمل تكلفتها بطريقة آمنة''، فالثروة النفطية هي الورقة الرابحة للمجتمعات والتي يستحيل فصلها عن التنمية، كميزة استراتيجية وعنصر داعم ومحفز في خطط البناء والتفوق.
وكلمة ''الإقناع'' التي وردت في تصريح الفالح تشير بوضوح إلى الجدل المتصاعد حول مستقبل النفط الخليجي ومدى قدرة الدول الغربية للترويج لأفكار على شاكلة الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط والاعتماد على بدائل جديدة للنفط، فمراكز الأبحاث وبعض الدراسات المنشورة تردد أنها أفكار غير واقعية، فالدول العربية تختزن نحو 56 في المائة من الاحتياطي العالمي المثبت من مصادر النفط التقليدية، كما توفر نحو 30 في المائة من الإمدادات العالمية''.
وهناك دراسات أخرى تؤكد أن العالم لم يستخرج إلا أقل من 10 في المائة من إجمالي الثروة النفطية، من المصادر التقليدية وغير التقليدية، المودعة في الأرض. وأن هناك ثروات نفطية هائلة تكفي العالم لمدة لا تقل عن 100 سنة، وقد تصل إلى نحو 200 سنة، حسب معدلات الإنتاج الحالية. وهذا ما يساهم في تفنيد بعض مزاعم نضوب النفط والبدائل التي يروج لها حاليا وبقوة في أمريكا وأوروبا
لكن الخبير النفطي المعروف ورئيس مركز دراسات أمن الطاقة في الولايات المتحدة أنس الحجي لا يخفي قلقه في ندوة عقدتها مؤسسة الفكر العربي في المنامة 2008 لتزايد ما يعرف بحملات العداء ضد النفط في أمريكا والدول الغربية.
من خلال الربط بين النفط والإرهاب، والكوارث البيئية، وهو ما يجعل الدعوات تتسارع لبحث الطاقات البديلة ودعمها ماديا وأكاديميا عبر حملات منظمة.
ويشير الحجي صراحة إلى قلقه المتزايد من تقصير الدول العربية والخليجية بشكل خاص في مقارعة الأفكار العدائية للنفط في الخارج، حيث يتطلب ذلك على حد وصفه ''فكرا عربيا نفطيا لمواجهة هذه الاتهامات وتفنيدها والتقليل من تأثيراتها المتزايدة''.
لقد جاء تصريح المهندس الفالح في ندوة ''أكسفورد''، وفي وقت مهم للغاية فمن المعروف أن حملات العداء للنفط ليست جديدة ومنذ سنوات والدول الغربية وأمريكا واليابان وكوريا تعلن صراحة عزمها الاستغناء عن النفط والبحث عن بدائل أخرى وبلغ هذا العداء أشده مع ارتفاع الأسعار خلال الأعوام الأربعة الماضية مما جعل مرشح الرئاسة الأمريكية في الانتخابات السابقة جون كيري يعلن بقوة أن الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط من أولوياته كمرشح رئاسي وهي المرة الأولى التي يكون الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط والذي تمثل فيه الدول الخليجية الحصة الأكبر ضمن أولويات برنامج انتخابي.
ولم يكن مفاجئا دخول ''إسرائيل'' على الخط باستغلالها موجة عداء النفط بتصريح شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي لصحيفة ''الفاينانشيال تايمز'' البريطانية اتجاه إسرائيل للاعتماد على السيارات التي تسير بالكهرباء لتقليص صادراتها البترولية بشكل جذري، حيث يقود القطاع الخاص الإسرائيلي مبادرة لتأسيس شبكة تضم 500 ألف محطة شحن لبطاريات السيارات الكهربائية خلال الأشهر المقبلة، باستثمار مباشر من شركتي ''رينو ونيسان''. فيما نسبت ''الفاينانشيال تايمز'' لمدير المشروع قوله ''إن أسطول السيارات في إسرائيل يبلغ نحو مليوني سيارة ولو أصبحت جميعها كهربائية فإن الأمر سيتطلب ألفي ميجاوات من الطاقة الكهربائية سنويا والتي يمكن توفيرها بإقامة محطات طاقة شمسية بقيمة خمسة مليارات دولار''.
ولم تخل موجة العداء للنفط من تأثير المنظمات والجمعيات المهتمة بالبيئة والتي وجهت دعوات متكررة لضرورة العمل لتخفيض نسبة التلوث وأن يعمل العالم على تغيير أنماط الطلب والاستهلاك، وطرح الخيارات البديلة للبترول والمتمثلة في الفحم، والطاقة المائية، وطاقة الرياح والوحدات النووية، والطاقة الشمسية.
فالنفط في نظرها المتسبب الرئيس في حدوث ظاهرتي الاحتباس الحراري، والتلوث البيئي، ومن الواضح جدا أن موجة عداء النفط تجاوزت ردود الفعل في المجتمعات الغربية إلى عمل منظم سيظهر تأثيره في الدول المنتجة للنفط عاجلا أم آجلا، لكن ما يثير التساؤلات أن الدول الخليجية تحديدا والتي خاضت تحديات صعبة وإعجازية في سبيل إنشاء صناعة نفطية مؤثرة معتمدة على موارد بشرية ومالية بدأت من الصفر لتصنع المعجزة بتفجير كنوز الصحراء وتسويقها، وإدارتها، وتوزيعها، في زمن وجيز تتراخى الآن في مواجهة ''حملات عداء النفط المتزايدة'' في وقت يؤمل منها عبر شركات النفط العملاقة التي تملكها أو عبر وزاراتها النفطية، أو عبر مستشاريها، وخبراءها المتخصصين في النفط، أن يكون لهم المبادرة في مواجهة هذه الحملات داخل الدول الأوروبية ومقارعة الفكر بالفكر بمبادرات مبتكرة في هذا الجانب كضرورة وطنية وقومية.
فلماذا يختار صناع النفط الصمت رغم ما يحملونه من أفكار إيجابية عن منتجهم الذي يعد عصب الحياة للعالم الآن؟ أموال النفط ليست مسؤولة عن الإرهاب بل ساهمت في بناء دول وإنقاذ شعوب بأكملها من التشرد والضياع، وتلوث البيئة هو أيضا مسؤولية الجميع بما فيها الدول الصناعية وليس مصدري النفط وطالما أن البدائل ليست جاهزة وآمنة بما يكفي فما الذي يجعلنا نتردد حتى هذه اللحظة في مواجهة الحملات المضادة؟ ولماذا نختار الحديث والتصريحات في العواصم الخليجية بدلا من الذهاب إلى حيث تكون المواجهة لنفرض فكر العقل والواقع، وبالتالي إخماد روح العداء التي تحاصرنا كخليجيين أينما كنا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي