هل وزارة التجارة في الاتجاه الصحيح؟
بدا أن هناك توجها لدى وزارة التجارة للتركيز على التجارة الداخلية في خطوة مهمة انعكست في إعادة هيكلة الوزارة من خلال تحوير دور الفروع للاهتمام بحماية المستهلك. تزايد شكوى الغش التجاري والامتعاض من التضخم والتستر وعدم وجود نظام إفلاس حديث جعلت الوزارة تعيد الأولويات، هذا تطور إيجابي ولكن السؤال هل هو نابع من عمق اقتصادي يخدم تطور الاقتصاد في المملكة أم أنه ردة فعل اقتصاد رفاهي النزعة لحماية المواطن مهما تعارضت هذه السياسات مع الاقتصاديات الصحية في المدى البعيد؟ اعتاد الوسط الاقتصادي لدينا الحديث عن الاقتصاد الكلي (دخل النفط، الميزانية، التوظيف والتوطين، التضخم..) ولذلك هناك نفس جديد إذا كانت الوزارة قد قررت إعطاء الاقتصاد الجزئي حقه المنتقص اعتياداً في إدارة الاقتصاد. تلا هذه الهبة تراجع عن آلية نظام السوق مثلما حدث أخيرا مع شركات الألبان.
من منظار هيكلي يخضع الاقتصاد الكلي لسياسة وزارة المالية وتفاعلها مع حركة أسعار النفط، هذه الدائرة الكبيرة عادة لا يشعر بها المواطن العادي، ما يشعر به عادة هو حركة الاقتصاد الجزئي (تأثير الشركات في الأسعار، الاحتكارات والوكالات الحصرية، الغش التجاري، مستوى الأسعار مقارنة بدول أخرى خاصة في السلع المتماثلة، التنافس على الوظائف في القطاع الخاص ومستوى الإيجار السكني والأجور فيها..) في محاولة للتفريق الجزافي نستطيع أن نقول إن الاقتصاد الكلي "حكومي" والاقتصاد الجزئي "خاص" ، وبما أن دور الحكومة هو الطاغي فلم يرتق مرحليا الاقتصاد الجزئي إلى الوضع الطبيعي له. بما أن الحكومة تأخذ علنا باقتصاد السوق، فالأحرى أن يكون مركز الاهتمام هو اقتصاديات الشركات ولكن هناك أيضاً تلميحا إلى أن الوزارة لم تعط الجزئي حقه مثل تعيينات الغرفة التجارية الأخيرة والتدخل في أسعار بعض السلع دون سياسة عامة واضحة وآلية موثقة، فكان هناك جدل حول الأسمنت والدواجن والحديد ولم ينته أي منها بسياسة واضحة. تتسم التجارة الداخلية بغياب شبه تام لدراسة اقتصاديات القطاعات ومدى المنافسة ومرونة الدخول والخروج ومعرفة مفصلة عن اللاعبين الرئيسيين فيه وآفاق الاستدامة والميزة النسبية لهم كشركات عائلية أو تحت أي صيغة قانونية أخرى. حماية المستهلك هدف سام وخطوة إيجابية ولكنه ليس سياسة اقتصاد جزئي بل قد يساهم في فوضى فكرية (تعتيم الرؤية والخلط في الأدوار، وعدم التفريق بين الرفاه والنمو، وتعميق سياسة الدعم غير المنظم).
ما هو الحل؟
رفاهية المواطن هدف دائم ولكنها دون نظر للاستدامة تصبح هدفا زائفا، ولذلك فإن الحل المقترح يحاول إيجاد التطابق بين الرفاه والاستدامة من خلال تفعيل الكفاءة. يقع الحل في جزئيتين: الأولى دراسة مفصلة وعميقة لكل قطاع في كل مجال للتجارة على سبيل المثال قطاع تجارة السيارات وقطع الغيار وقطاع الألبان وغيره لمعرفة كل المشاركين وحصصهم وقدرتهم أو عدمها على التحكم في السوق وعمق المعرفة الفنية لديهم وفرص الدخول والخروج للمشاركين الجدد ومنحنى التكلفة وربحية القطاع وعلاقته بالقطاعات الأخرى وأخيرا مدى مركزية هذا القطاع أو ذلك في خطط المملكة الاستراتيجية وخاصة الصناعية. يستحسن أن تتم الدراسات تحت مظلة مستقلة، حيث يجب التفريق بين المشرع والمخطط والمنفذ. الثانية، تغيير جذري تشريعي وتنفيذي يكون هدفه تفعيل المنافسة وكسر الاحتكارات والامتيازات وتفعيل الرسوم تدريجيا للتشجيع والكبح والتوجيه. الأهم أنه من دون نشر الدراسات والمعلومات والسلطة في التنفيذ فإن الوزارة تبدو غير خلاقة أو غير قادرة على خدمة الاقتصاد وخاصة الجزئي، وهذا يضرب الاقتصاد الوطني في مقتل.