فوز باراك أوباما أم فوز أمريكا؟
بعيدا عن الرؤى السياسية والاقتصادية التي أعقبت فوز رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما بولاية ثانية، فإن فوز الرئيس باراك أوباما بولاية ثانية أسكت بعض الأصوات التي تعالت عندما فاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانتخابات الأمريكية لعام 2009، فالبعض ذكر وقتها أن فوز الرئيس باراك أوباما كان بسبب ظروف استثنائية كانت تعيشها الولايات المتحدة أثناء الانتخابات الأمريكية. فمن جهة، فإن الحزب الديمقراطي كان ينظر لباراك أوباما على أنه منافس أقوى من امرأة - هيلاري كلينتون - في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري. لذا كان الحزب الديمقراطي مجبرا على انتخابه، لأن الخيارات الأخرى داخل الحزب كانت محدودة. ومن جهة ثانية، فإن الحزب الجمهوري وبسبب السياسات المتخبطة للرئيس الجمهوري جورج بوش الابن أدت إلى أن يدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة كبيرة من الديون في وقت كان الرئيس الذي سبقه وهو الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون قد ترك كرسي الرئاسة في وقت كان الاقتصاد الأمريكي يمر بأفضل مراحله الاقتصادية.
ففوز باراك أوباما كان في مرحلة استثنائية حيث كان الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة حرجة جدا أجبرت الناخب الأمريكي على انتخابه. لكن بعد أربع سنوات من حكم رجل ذي أصول إفريقية ما عسى أولئك أن يقولوا الآن ما الدافع لإعادة انتخاب بارك أوباما؟ وهل المرحلة الاستثنائية ما زالت قائمة؟
فوز الرئيس الأمريكي الشاب (بدأ رئاسته وعمره 47 سنة) ذي الأصول الإفريقية والإسلامية - كما يقدمه خصومه - محفز لمن يتحدرون من أصول تمثل أقلية في بلدانهم. تبوأت أمريكا قيادة العالم بسبب أنها الدولة الأكثر عدالة بين أبناء شعبها - وهو الأهم – وليس بالضرورة تحقيق العدالة بمفهوم الدول الأخرى أو نظرة الدول الأخرى لها. فالأمريكيون اختاروا من يعتقدون أنه الأفضل والأجدر بإدارتهم بعيدا عن الحسابات التي تسمى في عرفنا الإسلامي جاهلية.
تاريخنا الإسلامي يخبرنا أن أشد أعداء الدين الإسلامي، خصوصا في مرحلة نشأته كان من قبل صناديد قريش الذين رفضوا مبدأ المساواة بين الناس ورفضوا المساواة بين طبقات المجتمع. فأمية بن خلف وأبو جهل بن هشام والوليد بن عتبة وغيرهم من صناديد قريش رفضوا مبدأ المساواة مع بلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي. لذا انتشر الإسلام بصورة سريعة ليس بالحروب فقط، إنما بالمبادئ التي كان يدعو إليها من عدل ومساواة. فمبدأ المساواة من المبادئ الإسلامية التي كانت لا ترفع كشعار للمسلمين، بل كان مبدأ المساواة من المبادئ التي طبقت على وجه الأرض وأصبحت سلوكا يميز المسلمين عن غيرهم.
لكن هذه المبادئ والقيم الإسلامية الأصل أصبحت شعارا للدول المتقدمة وشعارا للحضارة المدنية الحديثة، لكن بنكهة غربية لا إسلامية. فلقد ذكر باراك أوباما جانبا من الأجواء المحيطة التي نشأ فيها، فقال إن الفرصة التي سنحت لي في هاواي للتعايش مع مجموعة متنوعة من الثقافات في جو من الاحترام المتبادل أصبحت جزءا لا يتجزأ من نظرتي للعالم، وأساسا للقيم التي أعتز بها''. خطاب أوباما الذي أعقب فوزه بالولاية الثانية فيه من الدروس ما يستحق الوقوف عنده طويلا، ولعل من أهم ما ذكره أن ما جعل أمريكا تتبوأ صدارة العالم ليست قوتها العسكرية أو التقنية، إنما مبادئها المبنية على العدل والمساواة.
الدول الإسلامية، خصوصا العربية، اشتغلت بحروب فكرية بدلا من المنافسة نحو تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها، فأصبح الحكم على الأشخاص من مبدأ فكري وليس من مبدأ كفاءة. ويعجبني كلام أحد المحللين للواقع العربي ''إن تحقيق التنمية في الوطن العربي يحتاج إلى جراح ماهر يتطلع للنهوض بالمجتمعات العربية بعيدا عن الحسابات الحزبية أو الأيديولوجية''. فلو أن أحد أبنائك - لا سمح الله - يحتاج إلى إجراء عملية جراحية معقدة وأمامك خياران: إما أن يجري العملية جراح يهودي بارع في مجاله أو جراح مسلم، لكنه أقل إتقانا من الجراح اليهودي .. فأيهما تختار؟
إننا نمر بمرحلة تتطلب منا البعد عن الصراعات الفكرية وتوحيد الجهود للسعي الحثيث نحو التنمية كهدف. كما علينا أن نمد أيدينا لكل من يسهم في التنمية بعيدا عن الحسابات الأيديولوجية أو الفكرية التي تقود المجتمع إلى مزيد من الانقسام والتخلف. فانتصار باراك أوباما انتصار لمبدأ أن الولايات المتحدة انتخبت الأفضل لقيادتها بغض النظر عن الحسابات الرجعية التي ما زالت مجتمعاتنا العربية تعانيها.