الكويت في صراع بين المادي والمعنوي

لا يسع المراقب للكويت إلا أن يلاحظ البحبوحة المادية التي تعيشها الأغلبية الواضحة من الكويتيين على الرغم من الشكوى المزمنة من العدالة والمقارنة بالآخر، خاصةً لما يكون السباق مالياً دون قاعدة اقتصادية منطقية الفرز. كما أن الكويت لديها درجة عالية نسبياً من التجانس، فهي بلاد عربية والأغلبية ذات نزعة إسلامية واحدة؛ ولديها درجة متقدمة نسبية من الحرية الاجتماعية وتجربة سياسية غنية، وأخيراً مرجعية سياسية ممثلة بالعائلة المالكة. في ظل هذه الظروف المواتية يصعب على المراقب الخارجي وحتى البعض من الداخل تفهم حالة الاستقطاب وحتى الغضب في المجتمع الكويتي الذي قد يصل إلى الخطر على الكويت وحتماً على الجيران.
أعتقد أن سبب الإشكالية أن الكويت تعيش حالة من عدم التطابق بين المادي ''العلاقة بين الإنتاج والمقدرات المالية'' والمعنوي ''التنظيم الاجتماعي السياسي الحديث''. يكون المجتمع ناجحاً وفي حالة من الاستقرار القابل للتطور والتلقائي في جزء كبير منه إذا كان هناك توافق مقبول بين المادي والمعنوي، بينما فشلت الكويت في تحقيق درجة مقبولة من هذا التطابق النسبي أصلاً. تحليلاً تنبع الإشكالية من تشوّهات وعيوب هيكلية في المادي والمعنوي ما يصعب المقاربة بينهما. فالبُعد المادي وعلى الرغم من حياة الترف التى يُحسَد عليها الكويتيون، إلا أنه يصعب وصفها بالعقلانية (''الاقتصادية'' عدد 5279 وتاريخ 25/3/2008 الكويت بين استحقاقات الديمقراطية والاقتصاد الريعي). ليس سراً هيمنة مصروفات الحكومة على الاقتصاد وضعف الإنتاجية والتخبط في الأوليات. هذه المنظومة المالية أفرغت العملية الاقتصادية من محتواها الحقيقي المتمثل في الإنتاجية وآلية فرز المنافسة والنمو الحقيقي، إفرازها الأساسي أصبح مطالبات لا تنتهي دون مرجعية اقتصادية. بالتالي ليس هناك قاعدة اقتصادية تؤسّس لحوار مع البُعد المعنوي بغرض إيجاد التطابق المنشود. لدى البُعد المعنوي عيوب هو الآخر متمثلة في درجة عالية من عدم الثقة على أكثر من مستوى، طائفياً وقبلياً وطبقياً، وسقف توقعات غير منضبط مصحوباً بقدرة بلاغية لا تتناسب مع قدرات تنظيمية، هذه الخلافات قد لا تكون مشكلة جزئياً، ولكنها تشكل خللاً مؤثراً مجتمعة في البُعد المعنوي. للتوضيح لا بد من الإشارة إلى تجربة سنغافورة أو كوريا، حيث درجة التحكم في البحث الجاد عن التطابق على أهمية عالية في كل الدوائر المجتمعية في ارتقاء سلم القيم المضافة إلى الأبحاث الجادة علمياً واجتماعياً.
في السنوات القليلة الماضية ازدادت مصروفات الحكومة على المواطنين وازداد معها درجة الاستقطاب السياسي الاجتماعي. هذه العلاقة الإيجابية هي الوجه الآخر لعدم التطابق بين المادي والمعنوي. الواضح أن ديناميكية وجدلية عدم التطابق تراكمت على مدى عقود، ولذلك سيكون من الصعب إعادة ترتيب البيت الداخلي مهما اتخذ من قرارات عليا، بل إن هناك مخاطرة في تزايد التوتر إذا اتخذت قرارات تحت الضغط حتى يكون هناك إصلاحات جزئية في الأبعاد المادية والمعنوية لكي يصل المجتمع إلى درجة أعلى من التناغم بينهما. النهاية المنطقية لهذه الجدلية هي وصول الكويت إلى تحقيق مجتمع صحي معنوياً ومادياً، مجتمع عالي التوافق ومنتج وقابل بنتائج المنافسة الطبيعية وآلية فرزها المبني على الأمثل لإدارة مجتمع متوازن راغب في التقدم وقابل للتلقائية. أخشى أن تكون العيوب أكبر من التجربة العربية، وأكبر من قدرة الفعاليات الكويتية لتصحيح العيوب الجزئية ثم البناء عليها تدريجياً وتصاعدياً للوصول إلى درجة مقبولة من التطابق المنشود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي