تهنئة العيد .. ليست التعزية به
التهنئة بالأعياد لها بعد ديني وثقافي. فبينما نجد بعض المجتمعات من يقتصر التهنئة بقول عبارة سنة سعيدة أو غيرها من العبارات التي لا تتجاوز كلمات معدودةHappy New Year ، نجد مجتمعات أخرى - خصوصا العربية وليس بالضرورة الإسلامية - من يجعل التهنئة فرصة لدعاء طويل يصل إلى كتابة (باراقراف) طويل. (باراقراف) التهنئة هذا يشمل مواضيع متعددة من نصرة للإسلام والمسلمين، ودعاء على أعداء الدين وغيرها من المواضيع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. قضايا قد تخرج العيد من أجواء احتفالية إلى أجواء أخرى خارج السياق الاحتفالي. فينسى المتلقي الرسالة الأساسية من التهنئة من مشاركة فرحة العيد إلى رسائل جانبية ليس العيد وقتها. فيبقى في ذهن المتلقي كل شيء إلا العيد والبهجة التي كان من المفترض أن تزعه تلك التهنئة في ذهن متلقيها.
شرعيا، إن التهنئة بالمولود وغيرها من المناسبات السعيدة أو الحزينة كالعزاء، تعتبر العبارات الشرعية فيها محدودة.. عبارات وأدعية تتعلق بالمناسبة، وهذا جزء من جوامع الكلم الذي ُأعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم. وفسر الإمام البخاري - رحمه الله - جوامع الكلم بأن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك. فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بعث بجوامع الكلم. كما قال الإمام ابن رجب إن الله جمع للنبي - صلى الله عليه وسلم - أشتات الحكم والعلوم في كلمة أو شطر كلمة.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز سؤالا قيل فيه'' يقول الناس في تهنئة بعضهم بعضا يوم العيد ( تقبل الله منا ومنكم الأعمال الصالحة) أليس من الأفضل يا سماحة الوالد أن يدعو الإنسان بتقبل جميع الأعمال، وهل هناك دعاء مشروع في مثل هذه المناسبة؟ فأجاب سماحته - رحمه الله - بقوله ''لا حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره تقبل الله منا ومنك أعمالنا الصالحة، ولا أعلم في هذا شيئا منصوصا، إنما يدعو المؤمن لأخيه بالدعوات الطيبة؛ لأدلة كثيرة وردت في ذلك. والله الموفق''. الفتاوى ابن باز المجلد 13 .
ورأى شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/253) أن أمر التهنئة إلى العادات أقرب منه إلى العبادات، والأصل في أمور العادات الإباحة، حتى يرد دليل بالمنع، بخلاف العبادات التي يحتاج المتكلم فيها إلى نقل الدليل على ما يقول، ومعلوم أن العادات تختلف من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، إلا أن أمراً ثبت عن الصحابة أو بعضهم فعله، هو أولى من غيره، والله أعلم.
لذا، فقضية التهنئة لها بعد اجتماعي أقرب من الشرعي، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، لذا أتمنى أن تكون التهنئة بصيغة تدخل السعادة في قلب متلقيها بدلا من أن تربط بقضايا تكدر فرحة العيد وتعكر صفو إحدى اللحظات - القليلة- التي من حقنا الاستمتاع بها. لكن رأيي هذا لا يعني أن اختلاط التهنئة بالعيد بقضايا أخرى خطأ، إنما أتمنى على المستوى الشخصي ألا نخرج الأعياد السعيدة إلى أجواء أقل سعادة وابتهاجا، لأننا نريد أن نفرح بها ونستمتع بها بعيدا عن المنغصات الأخرى وتكون مختصراً قدر الإمكان.
ختاما .. أجد ما طرحته مجرد خاطرة شخصية لكن من حق الكل أن يهنئ على جنبه الذي يريحه، لكن نريد أن نفرح ولو قليلا.