جدوى فرض رسوم مالية على الأراضي البيضاء
ليس المجال هنا لتأييد أو معارضة فرض رسوم على الأراضي البيضاء في المملكة، بقدر ما هو إيضاح لمفهوم فرض الرسوم على الأراضي البيضاء وتأثيرها الاقتصادي في العرض والطلب وفي أسعار الأراضي، والأهم من ذلك إذا ما كانت هذه الآلية تساعد على تملك الأراضي وبناء المنازل. هنا سأقوم باستعراض بعض المفاهيم الاقتصادية والتجارب الدولية في هذا الشأن من إيجابيات وسلبيات ومناقشة مدى انطباقها على الوضع في المملكة.
عندما أثيرت قضية فرض رسوم على الأراضي غير المستعملة داخل المدن، كانت هناك وجهات نظر كثيرة ومتباينة، منها من قال إن المشتري سيدفع الرسوم، وآخر قال إن من سيدفعها هو البائع، ومنهم من قال إنها ستؤدي إلى خفض أسعار الأراضي عندما يقوم ملاك الأراضي بالتخلص من أراضيهم، ومنهم من أكد ألا تأثير لهذه الرسوم إطلاقاً. أعتقد أن الطريقة الصحيحة لتحليل التأثير المحتمل، يجب أن ينطلق من دراسة الضرائب في نظرية العرض والطلب وكيفية تأثيرها في الأسعار، ومن ثم الاستئناس ببعض التجارب الدولية لمعرفة نتائجها وإذا ما كانت تنطبق على وضع الأراضي في المملكة.
من المعروف اقتصادياً أن فرض الرسوم بجميع أشكالها على المنتجات وتقديم الخدمات يخل بالحركة الاقتصادية من خلال رفع الأسعار والحد من مستوى الإنتاج، ولا جدال في ذلك، حيث إن ذلك مثبت علمياً وعملياً. تتحدد الأسعار بناء على توازن قوى العرض والطلب لأي منتج، فعندما يكون السعر 100 ريال لمنتج ما، ويباع منه 100 مليون وحدة، فإن ذلك يعني أن قوى العرض والطلب لهذا المنتج تتعادل عند هذا السعر المُرْضي للبائع والمشتري على حد السواء. وعندما تقوم الحكومة بفرض رسوم على المنتج لسبب ما، ربما للحد من استهلاك المنتج أو لحماية الصناعة المحلية أو لتحقيق إيرادات لمصلحة الحكومة، أو غير ذلك من الأسباب، فنتيجة هذا التدخل أن يختل سعر التوازن بشكل ما ويظهر سعر جديد وكميات جديدة لمبيعات ذلك المنتج. وبغض النظر عمن يقوم بدفع الرسوم، سواء البائع أو المشتري، وبغض النظر عما إذا كان الطلب مرنا أم لا، أو إذا ما كان العرض مرنا أم لا، فإن المحصلة النهائية ارتفاع السعر مع انخفاض الكمية المعروضة، أو في أفضل الحالات بقاؤهما كما كانا عليه. ويعود السبب في ارتفاع السعر إلى حقيقة اقتصادية معروفة منذ زمن آدم سميث وريكاردو وغيرهما منذ نحو 250 عاماً، وهي أن التكلفة الإضافية على سعر المنتج لا بد أن يتقاسمها البائع والمشتري فيما بينهما بنسب معينة حسب مرونة العرض والطلب لكل منهما، في حين تجني الحكومة الرسوم الإضافية كاملة. فكيف يمكن أخذ رسوم إضافية وفي الوقت نفسه تنخفض الأسعار؟ غير ممكن إطلاقا. إن الذي يحدث في أفضل الحالات، والتي تكون عندما يكون العرض غير مرن بتاتاً، أي عندما يكون منحنى العرض خطاً عمودياً في مخطط العرض والطلب، هو أن يدفع المشتري السعر ذاته الذي كان يدفعه سابقاً، بينما يقوم البائع بدفع الرسوم المقرة كاملة. وفي معظم الحالات يتقاسم الاثنان مبلغ الرسوم، فيدفع المشتري سعرا أعلى من ذي قبل، ويتحصل البائع على ثمن أقل من ذي قبل، فيكون كل من البائع والمشتري خاسرا جراء هذه العملية، ويقال إن هناك أثراً سلبياً في الاقتصاد، يسمى خسارة الكتلة الميتة.
بيد أن هذه النتيجة تتغير عندما تكون السوق في حالة عدم اتزان، وهو الحاصل حالياً في المملكة، حيث إن أسعار الأراضي أعلى مما يستطيع دفعه المشترون، إذ إن لدينا فائضا في العرض من المفترض ألا يستمر طويلاً حتى يصحح نفسه. في هذه الحالة، إن أي تأثير سلبي في البائعين سيساعد على دفعهم نحو تخفيض الأسعار إلى الحد الذي ينتج عنه اتزان بين العرض والطلب. يخطئ من يعتقد أن الهدف من فرض رسوم على الأراضي هو لزيادة المعروض، لأن المعروض حالياً كثير جداً. جولة سريعة في شمال مدينة الرياض، على سبيل المثال، ستبين أن هناك حالياً مخططات بعشرات الكيلو مترات المربعة مطورة بشكل كامل وجاهزة للاستعمال، لكن أسعارها أعلى من إمكانات المشترين. إذن في هذا الوضع الذي نحن فيه، من غير الواضح أن يكون لفرض الرسوم دور إيجابي في تحريك السوق، خصوصاً على المدى القصير.
إن الدول التي طبقت فرض رسوم على الأراضي، ومنها تايوان وروسيا وهونج كونج وولاية بنسلفانيا في أمريكا، أو تلك التي تدرس حالياً تطبيق الرسوم على الأراضي، ومنها إيرلندا وإنجلترا، تقوم بذلك لتحقيق أهداف معينة، منها أن هذه طريقة لجلب موارد مالية لمصلحة الحكومة في المقام الأول، وذلك لاستخدامها في التعليم وفي مشاريع تنموية معينة، وثانياً لمنع الاستحواذ على الأراضي بهدف المضاربة، ومنع التوسع العشوائي خارج المدن. وفي جميع هذه الدول، تفرض الرسوم على جميع أنواع الأراضي داخل النطاق العمراني، سواء كانت مستخدمة أم لا، حيث إنها تستخدم كبديل لضرائب أخرى تفرض على العقارات بشتى أنواعها. والفكرة هنا هي أن فرض الرسوم على جميع الأراضي من شأنه أن يدفع ملاك الأراضي لاستخدامها، كونهم سيدفعون الضريبة بأي حال من الأحوال، فيكون من الأولى الاستفادة من الأرض لتعويض ما سيقومون بدفعه.
شخصياً أعتقد أن فرض الرسوم سيعامل من قبل البائعين وكأنه خفض اضطراري للإيرادات المتوقعة من بيع ممتلكاتهم سيقبلون به كإجراء حكومي لا مفر منه، وسيقبلون بدخل أقل من ذي قبل، مع بقاء السعر كما هو عليه على المشتري، ربما لفترة غير قصيرة. كما أن من سيقوم بالبيع سيوجه ما يتحصل عليه من سيولة إلى عقارات أخرى ليس عليها رسوم، مثل المباني السكنية والتجارية، ما يرفع أسعار الممتلكات غير الخاضعة للرسوم. كما يمكن أن تتوجه سيولة البائعين إلى المخططات الجاهزة بحكم أنها لن تبقى خالية لمدة طويلة، بالشكل الذي يجعلهم يتحملون أي رسوم إن وجدت لعام أو عامين قبل أن يبيعوها. وهذه نقطة جديرة بالاهتمام، حيث إن فرض الرسوم يخفض الأسعار في أماكن ويرفعها في أماكن أخرى. فلو كانت هناك رغبة في تطبيق فكرة فرض الرسوم، فلا بد من تجربتها في مدينة معينة أو في نطاق عمراني معين ومن ثم تقييم التجربة بعد عامين أو ثلاثة أعوام لمعرفة نتائجها وآثارها الجانبية.