رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بعد الاتحاد النقدي .. الاتحاد المصرفي

اتفق قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي على فكرة تأسيس الاتحاد المصرفي Banking Union التي تعد - كما ذكرت في المقالات السابقة - أحد الأعمدة الرئيسة للاتحاد النقدي، بما يمثل انتصاراً للدول التي دفعت بهذا الاتجاه مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. فنظراً للضغوط التي واجهها القطاع المصرفي في عدد من دول الاتحاد، ومن ضمنها إسبانيا، التي أدت إلى تحول ذلك إلى ضغط على جانب التمويل السيادي (الموازنة) للدول، فقد كان هناك حاجة ماسة إلى فصل حلقة الضغط تلك، من خلال تأسيس آلية تضمن عدم الانتقال المتبادل للضغوط بين الجانبين (القطاع المصرفي والتمويل السيادي). وهذا يتطلب عدداً من الخطوات اللازمة لتحقيق تجانس بين عمليات الإشراف والرقابة وعمليات التسوية للمصارف المتعثرة وتأمين الودائع، وذلك في إطار مؤسسي على مستوى الاتحاد النقدي ككل.
هذا الأمر إذا تحقق، فسيعني أن تراجع وضع الموازنة في إحدى الدول الأعضاء وارتفاع مخاطر الديون السيادية لها، سوف لن يكون له تأثير كبير في القطاع المصرفي في هذه الدولة، بسبب ارتباط عملية الإشراف على القطاع المصرفي في هذه الدولة، بما في ذلك المعايير المتبعة لتقييم المخاطر، بالجهاز الإشرافي على مستوى الاتحاد وليس على مستوى الدولة. كذلك فإن مواجهة القطاع المصرفي لأي مشكلات مالية سيتطلب تدخل جهاز التسوية على مستوى الاتحاد ولن يكون ذلك على حساب موازنة الدولة، ما سيؤدي إلى الحد من الضغوط التي ستواجهها تكاليف الاقتراض للديون السيادية في مثل هذه الحالات (حالة إسبانيا).
والاتحاد المصرفي المقترح بموجب ذلك سيتضمن ثلاثة أجهزة رئيسة: الأول جهاز للإشراف المصرفي، بما يضمن اتساق معايير تقييم المخاطر والالتزام بمعايير كفاية رأس المال على مستوى الاتحاد ككل. وقد كان هناك جدل حول إذا ما كان ذلك سيتطلب تأسيس جهاز مستقل للقيام بذلك، أو أن توكل هذه المهمة للبنك المركزي الأوروبي. واتفق أخيرا على قيام البنك المركزي الأوروبي بالقيام بهذه المهمة. لكن ذلك لا يخلو من تبعات كثيرة، أولاها أن تفويض البنك المركزي الأوروبي سيتغير الآن من مجرد المحافظة على استقرار الأسعار إلى تحقيق الاستقرار المالي من خلال الإشراف على القطاع المصرفي ككل. الأمر الآخر يتعلق بآلية القيام بذلك، وعلاقة البنك المركزي بالأجهزة الإشرافية الحالية في الدول الأعضاء. تفويض الأجهزة الإشرافية للقيام بعملية الإشراف المحالي في الدول الأعضاء سيعني أن شيئاً لم يحصل، ما يعني أن البنك المركزي الأوروبي سيكون عليه تعزيز قدراته وموارده للقيام بهذه المهمة، مع الاستفادة من المؤسسات المحلية في القيام بدور مساند له في ذلك.
الجهاز الثاني هو جهاز التسوية للمؤسسات المالية المتعثرة، بما يضمن الحد من انتقال آثار ذلك إلى القطاع المصرفي ككل، أو تحمل دافعي الضرائب تكاليف تسوية هذه المؤسسات كما حدث في السابق. وهنا يبرز التساؤل الأهم وهو من يتحمل تكلفة هذه التسوية؟ بالطبع الهدف الرئيس هو - كما ذكرت - عدم تحمل دافعي الضرائب هذه التكاليف، لذلك فمن المقترح أن يتم تمويل هذا الجهاز من خلال وضع ضريبة على المؤسسات المالية كي تتحمل هي نفسها هذه التكاليف، وبالتالي تكون لها مصلحة في تطبيق أعلى معايير الإشراف المصرفي. هذه الأمر سيسهم بشكل كبير في تجنب المشكلة الاقتصادية الأعقد التي كانت الشغل الشاغل لألمانيا المتمثلة فيما يطلق عليه الخطر الأخلاقيMoral Hazard، ما سيسهم في زيادة كفاءة النظام المصرفي ككل.
الجهاز الأخير من الأجهزة المطلوبة لتكوين الاتحاد المصرفي هو جهاز ضمان الودائع على مستوى الاتحاد النقدي ككل، بحيث يصبح مكملاً للجهازين السابقين بعزل النظام المصرفي بالكامل عن الجانب المحلي، ما يعزز الثقة به، ويقلل من آثار الأزمات المحلية كما حدث في إسبانيا وغيرها في القطاع المصرفي. فالأزمة في منطقة اليورو لم تكن أزمة مصارف إنما أزمة حكومات انتقلت آثارها للمصارف، وهو ما يجعل هناك حجة قوية لهذه المصارف في مواجهة الحكومات لعمل شيء لإنقاذها. ضمان الودائع على مستوى الاتحاد النقدي ككل، سيقلل من المخاوف ومشكلة جري المودعين إلى المصارف في حالة وجود أزمة مالية للحكومة في كل من الدول الأعضاء للاتحاد.
وكما ذكرت في السابق، فإنه لا مجال لمنطقة اليورو لحل الأزمة الحالية إلا بالمضي قدماً في تعزيز التكامل من خلال تأسيس الاتحاد المصرفي والاتحاد المالي ليضيف ذلك إلى ما تحقق على جانب الاتحاد النقدي. الوضع ببساطة سيكون مشابها لما يوجد في الولايات المتحدة، حيث إن عملية الإشراف المصرفي وتسوية المصارف المتعثرة وضمان الودائع تتم على مستوى الحكومة الفيدرالية، ما يعزل بينها وبين الأوضاع المالية للولايات التي تعمل فيها، ويقلل بشكل كبير المخاطر على مستوى القطاع المصرفي ككل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي