رؤية جديدة لمفهوم «وليشهدوا منافع لهم»

في عصر المعرفة حيث انتشار المعرفة وتبادلها وتشاركها وإمكانية صناعتها من أي كان دون الحاجة لموافقة جهة أو أحد، أقول في هذا العصر تطرح بعض الأفكار بروح ابتكارية خارجة عن المألوف في جميع المجالات ولجميع القضايا والمشاكل، نعم تخرج أفكار ابتكارية تجعلك تحلق في مساحات تفكير جديدة لم تخطر على بالك في يوم من الأيام.
ومن ذلك ما طرحه أحد الأصدقاء وهو يتابع جهود الدولة ـــ رعاها الله ـــ لخدمة ضيوف الرحمن بقوله إنه حان الوقت لكي نطبق ونعزز المفهوم القرآني ''ليشهدوا منافع لهم'' لننتقل من مجال التبادل الاقتصادي السائد حيال هذه المنافع إلى مفهوم التبادل الثقافي والفكري والمعرفي أيضا خصوصا في مجال التصدي لقضايا ومشاكل الحج مثل إدارة الحشود وحركتها، ورفع درجة وعي الحجاج بالحج الصحيح الآمن، ومثل الوقاية الصحية من الأمراض كافة، والحد من حالات السرقة والنشل، ومكافحة التخلف بعد الحج والذي بات يشكل مشكلة كبيرة تتراكم بمرور الوقت.
وأقول نعم ولم لا خصوصا أننا نلاحظ الفرق بين وعي وثقافة حجاج الدول الإسلامية، حيث يتمتع حجاج بعض الدول بوعي عال وثقافة مميزة ما ينعكس إيجابا على انسيابية الحج وصحته شرعيا وسلامة الحجاج، بينما يفتقر البعض الآخر إلى ذلك تماما، وهناك المنزلة بين منزلتين الأمر الذي يعوق حركة الحجاج ويؤثر سلبا في سلامة الحجاج وممتلكاتهم. أيضا هناك فرق بالاهتمام بالجانب الصحي، حيث تعتني بعض الدول بحجاجها صحيا بشكل كبير من حيث الوقاية وأخذ كافة التطعيمات اللازمة والأدوية والأدوات الصحية الإسعافية والضرورية ونوع وكم الوفد الصحي المرافق وهناك العكس وهناك بين هذا وذاك.
من حيث التخلف بعد الحج هناك حجاج بعض الدول الذين يتخلفون بشكل أكبر من الدول الأخرى، حيث الميول لمخالفة النظام والإقامة غير النظامية في المملكة بهدف العمل أو التجارة خارج إطار القانون، بينما تلتزم دول أخرى بالأنظمة حرفيا، والتخلف مشكلة كبيرة ولدت مشكلة عديمي الجنسية في المنطقة الغربية والتي تشكل اليوم بؤرة مشاكل كثيرة ومتعددة تعانيها المملكة والمنطقة الغربية في كل من جدة ومكة والمدينة على وجه الخصوص، وهي مشكلة تستدعي تضافر جهود جميع الدول الإسلامية لمعالجتها من جذورها خصوصا فيما يتعلق بالتعاطي مع الأعداد الكبيرة التي تخلفت خلال العقود الماضية.
ولا شك أن قضايا الحج التي تستدعي تبادل المعارف والخبرات والمهارات والمرئيات والتنسيق والتكامل للوصول للحج الأمثل شرعيا وأمنيا وصحيا انطلاقا من سفر الحاج من بلاده حتى العودة مرورا بالوصول إلى المملكة ثم الوصول إلى مكة والحج والانتقال إلى المدينة أو العكس الوصول إلى المدينة، ومن ثم مكة والحج، ودون أدنى شك كلنا نلمس التطور السنوي لجودة مواسم الحج بجميع أبعاده وبكل تأكيد لا زال هناك المزيد الذي يمكن تطويره وتقديمه لضيوف الرحمن.
ومن ذلك إمكانية عقد مؤتمر سنوي أثناء موسم الحج وليكن في شوال أو ذي القعدة، حيث تشارك فيه جميع الدول الإسلامية وتقدم به أوراق وتتبادل به المعارف والخبرات للوصول إلى مشترك إسلامي متميز من جهة وعي القائمين على حملات الحج والحجاج، بكل تأكيد تبادل المعرفة والخبرات من المنافع المهمة والحيوية التي يمكن أن تستفيد منها الدول الإسلامية من بعضها البعض، ولا شك أن مثل هذا المؤتمر سيؤسس لمعرفة وخبرات تراكمية لدى جميع المعنيين بالحج في كل الدول الإسلامية ما ينعكس إيجابا بكل تأكيد على مستوى الحج وسهولته وسلامة الحجاج بالمحصلة.
في المجال الصحي أيضا ماذا لو كان هناك منتدى سنوي لصحة الحجاج فيه يتم تبادل المعارف والخبرات والتعرف على الأمراض السارية والمعدية والأوبئة في جميع الدول الإسلامية وما هو مطلوب من الحاج من تلك الدول من فحوص وما هو مطلوب من بقية الحجاج من احتياطات وتطعيمات، وتبادل الخبرات العلاجية في أكثر الأمراض شيوعا بين الحجاج، وتمكين حجاج الدول الفقيرة من الاستفادة من الأجهزة الطبية الحديثة المتوافرة لدى الدول الغنية الأكثر قدرة على تحليل وتشخيص الأمراض بجميع أنواعها، حيث يمكن إيجاد صيغة بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي على سبيل المثال لتنسيق ذلك، وبالمحصلة يتم رفع المستوى الصحي للحجاج خصوصا في الدول الأقل تقدما، والتي عادة ما يفد حجاجها وهم يحملون أمراضا خطيرة مقرونة بوعي صحي وثقافي متدن، الأمر الذي ينعكس على سكان المملكة بعد الحج، حيث يعاني الناس أمراضا حادة.
كذلك يمكن عقد منتدى أو مؤتمر أو ملتقى سنوي يعنى بإدارة الجموع أثناء فترة الحج وأثناء المغادرة للوصول لأفضل حركة انسيابية للحجاج في جميع المشاعر ولتحقيق أفضل حركة عودة للحجاج إلى بلادهم في أوقات قياسية دون معاناة ودون تخلف، وذلك للوصول لقرارات وفعاليات إيجابية تحقق أفضل مستويات الجودة في موسم الحج بأفكار جماعية وتنفيذ متكامل وقناعات مشتركة.
بكل تأكيد مثل هذه المؤتمرات والملتقيات والمنتديات والتي تتخللها ورش عمل وتواصل بين المعنيين على مدار السنة ستؤسس لمنصات فكرية تنفيذية قوية تمكن كافة الدول الإسلامية من التعاون والتكامل وتبادل الأفكار والخبرات والمعارف بشكل سلس وانسيابي ما ينعكس إيجابا على العمرة والحج وعلى مستوى السلامة الصحية والأمنية في المملكة بالمحصلة.
ختاما يعرف القاصي قبل الداني أن بلادنا وعبر قياداتها المتعاقبة تبذل الغالي والنفيس لخدمة ضيوف الرحمن وهو شرف نفخر به جميعا نحن أبناء المملكة ونحن على ثقة بأن بلادنا على تواصل دائم مع جميع الدول الإسلامية للوصول إلى أفضل جودة لمواسم الحج والعمرة، وسيكون تبادل المنافع في جميع المجالات من خلال منصات منسقة ومحفزة داعما كبيرا للوصول إلى الجودة المثلى المنشودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي