رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاقتصاد السعودي: بين الكرم وعلم الاقتصاد

''تخيّل لو دخلت إلى مطعم مع مجموعة وكان الاتفاق على أن تُدفع الفاتورة بالتساوي، عقلانياً سيلجأ الجميع إلى أكل أكبر قدر ممكن لكي يدفع الآخرون جزءاً من التكلفة، النتيجة العملية أن الجميع سيتضرّر صحياً ومالياً''.
هذه القصة المعروفة في الفلسفة العقلانية تعبّر عن محدودية استخدام المنطق في تصرفات البشر. هذه الحيرة هي الوجه الآخر لمحدودية كرم الحكومة في إدارة الاقتصاد. سأحاول شرحها في هذا العمود.
نظرياً ثروة الوطن، وخاصة النفط والغاز، مملوكة للجميع، حيث تتكفل الحكومة بإدارة موارد البلاد. في المثال الفلسفي الكل يحاول تعظيم ''المصلحة'' على حساب الآخر وكأن اللعبة مغلقة zero sum game بمعنى أن محصلتها صفر، فكل المبالغ ستصرف على المشاركين في استهلاك أكبر قدر من (الطعام) الطاقة. وهذا هو النمط نفسه الذي نتبعه في إدارة عوائد النفط، نبدأ نظرياً بالتساوي ونحاول جدياً ممارسة كرم لتعويض الاحتكاكات البشرية من خلال أنماط وأشكال بعضها صحي وكثير منها عبثي في جانب السياسات التوزيعية مثل إدارة الدعم. فالكل يحاول تعظيم نصيبه التوزيعي أو الاستهلاكي، أملاً في الحصول على نسبة أكبر من الفرص المحدودة (محدودة في ظل غياب النمو الحقيقي في الاقتصاد) كما أن كرم الحكومة في الاستهلاك يأتي في مصلحة الغني على حساب الفقير غالباً.
اعتياداً في الاقتصاديات الصحية كلما زاد التنافس على الفرص، زادت فعالية الاقتصاد، إلا أن المنافسة سياسية في ظل إطارها التوزيعي سرعان ما تخرج من سياقها الاقتصادي لتصبح لعبة إدارية سياسية، وتبدأ في الضرر ويصعب إرجاعها إلى السياق الصحي. محاولة إرجاع المنافسة إلى إطارها الصحي لاحقاً غالباً ما تفشل بسبب تعمق المصالح والاستماتة في الدفاع عنها وصعوبة التعامل مع العيوب الهيكلية، وبالتالي يؤدي كرم الحكومة إلى غياب المنافسة الاقتصادية وتقدم المنافسة أو المشاحنة غير الصحية، إذ لا يمكن أن يكون هناك تقدم في الاقتصاد وغيره دون منافسة صحية في كل القطاعات المادية والبشرية، فالمنافسة المتكافئة مصدر للنمو والإبداع والعدالة. لا نتحدث عن المنافسة المطلقة فهذه تهذبها التشريعات والتنظيمات الواعية، ولكن الإشكالية الفكرية أنه كما يقول أحد الخبراء فإن المنافسة مثل الدين الجميع يقبله، ولكن القليل من يمارسه بدرجة عالية من الكمال فعلياً.
أحد معايير مراقبة الإدارة الفاعلة هو مدى قدرتها على تفعيل المنافسة في المجتمع. إحدى القوى الفاعلة ضد هذا المعيار هى ''كرم'' الحكومة المعبّر عنه بدعم الكل مقيماً ومواطناً غنياً وفقيراً؛ لأنه كلما ازداد كرم الحكومة، قلت المنافسة، وكلما قلت المنافسة، ضعف المجتمع وقلت فرصة الحكومة للمساعدة على المدى البعيد ناهيك عن الكرم. على أن للكرم دوراً في إدارة الحكومة، ولكنه سلبي في الغالب. كرم الحكومة المطلوب هو مساعدة مَن لا يستطيع المنافسة وليس لديه ما يكفيه لسد حاجته، ولكن الأهم هو إدراك أن المنافسة أهم من الكرم بمراحل، المبالغة في الكرم تحد من الكرم في المدى المتوسط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي