رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا يبقى لنا لو تمت تجزئة «أرامكو»؟

يظهر أن الربيع العربي أثار حفيظة بعض الإخوان من المواطنين وألهب شعورهم نحو شركة أرامكو السعودية، مع افتراض حسن النية، ثم تبعهم الشامتون الذين بهرتهم إنجازاتها ونمو مسؤولياتها وهم ليسوا طرفاً فيها. وهذا دليل على نجاح الشركة في تحمل أعباء التوسع في أعمالها. وإذا كانت الدولة تضع كامل ثقتها بمسؤولي شركة أرامكو، فلماذا يريدون سلبها هذا الحق دون مبرر؟ ويتساءل المرء، لو فرضنا جدلاً من أجل إرضاء المنتقدين أن القائمين على شؤون الشركة لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة وأنهم مُتهمون بخيانة الأمانة التي كانت قد أوكلت إليهم، فهل يا ترى نجد منكم منْ هم أفضل أداءً وأكثر أمانة؟ قولوها صراحة ومن دون لف ولا دوران، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه!
وشركة أرامكو، التي كان لي شرف الانتساب إليها لمدة تزيد على 30 عاماً، لم تدع يوماً أنها معصومة عن الخطأ. وسجلاتها لا تخلو من أسماء كثيرين من موظفيها الذين لم يحسنوا التصرف خلال تأدية واجباتهم، وقد نالوا جزاءهم كل حسب جرمه. وإذا كان مثل هذه الأمور تحصل في شركة أرامكو، وهي معروفة بقوانينها الصارمة، فمن المؤكد أنها تحدث في الشركات الأخرى ولم نسمع أنهم شهروا بمن يقع في المحذور، بل تطبق في حقهم النظم المعمول بها داخل المؤسسة. والحكومة ليست غائبة عن الساحة، فهي تعلم عما يجري على أرضها، وليس من عادتها التغاضي عن أمور تمس سيادتها وأمن مُنشآتها. ولو كانت قد رأت ما يدعو إلى التدخل لفعلت. لكنها تثق جيداً بأولئك الذين وضعت في أعناقهم مسؤولية إدارة أهم مرفق في البلاد. وهناك من يتساءل دائماً عن أرباح شركة أرامكو وأين تُصرف؟ ولماذا لا تشارك في إنشاء مزيد من الجامعات والمرافق الصحية والاجتماعية إلى آخر القائمة؟ والجواب هو أن ''أرامكو''، لا تربح ولا تخسر، فهي تتكون من مجموعة من الموظفين، يعملون لمصلحة وتحت توجيهات الدولة. ولا تستطيع التصرف بريال واحد من دخل بيع النفط الخام ومشتقاته، إلا ما يخص ميزانيتها السنوية وبعض المبالغ البسيطة التي جرت العادة على صرفها لمصلحة بعض النشاطات الاجتماعية. وما عدا ذلك فيسلم إلى وزارة المالية. ومعالي وزير المالية عضو في مجلس إدارة ''أرامكو''. والشيء نفسه يقال عما يثيره البعض من تساؤلات حول إمكانية خصخصة شركة أرامكو. فهل من المعقول أن تطرح الدولة أسهماً تتضمن امتلاك حامل الأسهم لجزء من ثروة البلاد الوحيدة؟ نعتقد أن لدينا أزمة ثقافة عامة فيما يتعلق بالصناعة النفطية ومستقبلها في هذه البلاد. ولن يملأ هذه الثغرة إلا تعاون وثيق بين ''أرامكو السعودية'' ووزارة التربية والتعليم، لإدخال المعلومات المطلوبة ضمن المقررات المدرسية.
وقد قرأنا أخيرا لبعض الكتاب، ولكتاب سابقين، اقتراحات تتضمن تجزئة شركة أرامكو إلى شركات، أو كيانات صغيرة تفصل أعمالها عن بعضها حسب نوعية الأنشطة المختلفة. ولعله من الصدف أن تأتي مثل هذه الاقتراحات في وقت كانت فيه الحكومة قد أعطت الشركة الضوء الأخضر لتدخل في عالم البتروكيماويات الواسع. وقبلها بسنوات كانت قد أوكلت إليها جميع عمليات شركة سمارك، وتسلمتها وأدارتها بكل اقتدار. ومنذ عدة أيام يعلن رئيس الشركة بأنها ستتحول إلى ''شركة طاقة عالمية '' ثم لا ننسى أن شركة أرامكو السعودية هي بحق رمز التطور وحسن الإدارة في السعودية وفخر الصناعة النفطية على مستوى العالم. فماذا يبقى لنا إذا قمنا بتجزئتها؟ والإخوان الذين يرون في تقسيم أعمال الشركة إلى شركات صغيرة، يقصدون دون شك تهيئة بيئة أفضل لمجالات المنافسة! وربما أن هناك خلطا بين وضع شركة حكومية قائمة والشركات التجارية الخاصة، مثل ما هو حاصل مع بعض الشركات العالمية التي يتطلب وضعها المالي والإداري إما التجزئة وإما الانضمام إلى كيانات مشابهة. فلو تجزأت شركة أرامكو إلى شركات صغيرة فستظل تحت ملكية الحكومة، خصوصاً ما يتعلق بالاستكشاف والإنتاج والنقل والتسويق، وربما المصافي. أي أن الشركات الجديدة ستتحول كل منها إلى ''أرامكو'' صغيرة. ''وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا''. وفي الوقت نفسه نكون قد فقدنا كياناً صناعياًّ عملاقاً كان في يوم من الأيام فخراً للسعودية. ثم إن الشركة الآن هي فعلاً عبارة عن مجموعة شركات. فكل قطاع من عمليات الشركة يديره مسؤول واحد بمرتبة نائب أعلى للرئيس، ولديه من الصلاحيات ما يقابل المسؤوليات التي على عاتقه. والمسؤول الأول هو الرئيس بطبيعة الحال. وطرف يطالب الجهات الحكومية، مثل المباحث العامة وهيئة مكافحة الفساد للتحقيق في مسألة الرشا التي طفح خبرها على وسائل الإعلام أخيرا. مع أنه اتضح أن الموضوع لا يختلف عن الحالات النادرة التي تكتشفها الشركة بنفسها وتطبق عليها عقوبات رادعة. لكننا نعجب من دعوة استدعاء أطراف من خارج ''أرامكو'' للمشاركة في التحقيق، وهو أمر أقل ما يُقال عنه إنه يمس الثقة بمسؤولي الشركة. فيا سبحان الله، تُؤتمَن الشركة على مئات المليارات من الدولارات، وهي حصيلة تسويق النفط ومشتقاته ولا تؤتمَن على التحقيق في قضية رشوة؟ وما الذي يدعو الشركة لأن تخفي أو تتلاعب في قضايا بسيطة، وتخفيها عمنْ ولمصلحة منْ؟ ولا يوجد في الشركة على الإطلاق موظف له حصانة، من الرئيس إلى أدنى مرتبة، مهما أشاعت الشائعات.
وشركة أرامكو، كما هو معروف، كانت قد أنشئت منذ ما يقارب 80 عاماً، وهو عمري بالتمام والكمال (1933)، أحمد الله على طول العمر وثبات الإيمان. وكانت تملكها آنذاك وتديرها مجموعة شركات أمريكية. وفي أوائل الثمانينيات انتقلت كامل ملكيتها إلى أصحاب الأرض، وأصبحت تحت إدارة سعودية بتكليف من الحكومة، حفظها الله. وسارت الأمور على أفضل ما يمكن بفضل من الله ثم بمجهود نخبة من أبناء الوطن، من قمة الهرم حتى القاعدة. ودعك من الذين يروجون للشائعات والتخمينات التي ما أنزل الله بها من سلطان. فلو لم تكن ''أرامكو'' تسير على نظم ومعايير سليمة لما وجدتها تنتقل من نجاح إلى نجاح داخليا وخارجيا. وبعض الأصوات التي تمتدح عصر الإدارة الأجنبية ويتمنون عودتها يخفى عليهم الشيء الكثير. ولا نود الدخول في تفاصيل ليس هذا مكانها، لكننا نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك العصر الذي يتمنون رجوعه كان كابوساً بالنسبة للمواطن ومُضِرا بالثروة القومية. بينما يصف أحد الكتاب أن ''أرامكو السعودية''، وهو يقصد موظفيها، متقوقعة على نفسها في كامب الظهران المحاط بالأسياج. وهو لا يدرك أن ''أرامكو'' في الواقع تمتد من الحدود الشمالية مرورا بالسفانية إلى شيبة في أقصى الجنوب ومن جازان إلى تبوك ومن المنطقة الشرقية إلى المنطقة الغربية. ومكاتبها المنتشرة حول العالم لها من النشاط والسمعة الطيبة ما يرفع الرأس. وحضورها في المحافل الداخلية والدولية ملء السمع والبصر. فهل يسيغ لنا أن نقول إنها مُشبكة بطول المملكة وعرضها؟ وليس من المروءة ولا العدل ولا الإنصاف أن نرمي الكلام على عواهنه ونصف موظفي ''أرامكو'' بالفساد والمحاباة، كما نقرأ ونسمع من البعض -هداهم الله، وفي ''أرامكو'' من الرجال والنساء المخلصين لعملهم ولوطنهم ما يدعو إلى الفخر. ولو أن في ''أرامكو'' ولو قسطاً يسيراً مما يقولون من تفضيل في الترقيات والتوظيف وسوء الإدارة والفساد لتهدم صرحها وعاثت فيها الفوضى ولانهارت قواها ولعَلا بعضها على بعض. ونود أن نؤكد أن آخر ما يتمناه موظف ''أرامكو'' هو أن يكون في يوم ما عُرضة للمساءلة أو أن يكون في موضع اتهام. ''أرامكو'' لها نظمها وقوانينها الصارمة التي تعطي كل ذي حق حقه وتعاقب المسيء، والكمال لله وحده. وهي، بشهادة الجميع، مدرسة للأجيال ومصنع للرجال وذخر عند الحاجة.
وإن كان لنا مأخذ على ''أرامكو'' السعودية، فهو وضعها سقفا تقريبيا لعدد موظفي الشركة الرسميين واتباعها سياسة التعيين عن طريق المقاولين في كثير من المرافق، وإن لم تكن كلها، في الوقت الذي نرى فيه توسعاً كبيراً في أعمال الشركة. فالموظف التابع للمقاول، رغم أنه يعمل داخل ''أرامكو''، إلا أنه لا يحس بطعم الانتساب إلى هذه الشركة العملاقة، ناهيك عن أن ولاءه لن يكون كاملاً وربما أنه يترك العمل مع خِبرته متى شاء. وتضطر الشركة إلى طلب موظف جديد يبدأ من الصفر. وشركة أرامكو، بما لها من رصيد وطني، كان الأحرى بها أن تكون موطناً للتوظيف في حدود حاجتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي