اقتصاديات الإنتاج الحيواني والأمن الغذائي والصحي (2 من 2)

لقد أصبحت صناعة الدواجن في العالم من أكبر وأسرع القطاعات نموا، حيث بزيادة نمو الطلب على لحوم الدواجن والبيض نمت المزارع وتعددت، وأصبح لكل دولة مسارات تخولها لأن تكون مكتفية ذاتيا إذا ما اتبعت استراتيجية علمية سليمة. من ناحية أخرى بما أن الإنتاج الحيواني يعتمد على العلم والفن والاقتصاد في نفس الوقت، فلا بد أننا وصلنا الآن إلى معرفة التركيبة الغذائية والاقتصادية للأعلاف التي تتناسب وأنواع الدواجن التي نربيها أو نقوم بالاستثمار فيها. نحن لا نطلب إلا ما أبدعنا فيه على مدى العقود الماضية، فهل يوجد في كل منطقة مركز لمثل هذه الدراسات سواء في الجامعات أو مرخص لإصدار معايير محلية ومؤشرات يحتكم لها؟ الأعلاف لا بد أن تأخذ أهمية لدينا ولو على مستوى الدراسات العلمية والتخصص فيها، فالأصل في عناصر أربعة (الطاقة، والبروتين، والفيتامينات والمعادن) ولا شيء بعد ذلك إلا استخدام الرياضيات للوصول إلى معادلة أو نموذج يصلح لتركيبتها واستخدامها الآمن للإنتاج الحيواني.
وطالما أن الحديث عن الثروة الحيوانية فالأسماك (الثروة السمكية) أيضا لدينا تحتاج إلى تكريس جهود. إن قضية فيروس البقعة البيضاء (White Spot Syndrome) التي أصابت الروبيان قبل عام ونصف لا يمكن أن تكون أمرا عارضا ولا ينتهي إلى تقرير يوضح علميا وعمليا كيف وصل المرض؟ ومتى اكتشف؟ وما حجم المشكلة؟ وما الذي تم حيال ذلك؟ وهل الإعلان الأخير من خلو المزارع من المرض يعطي الضوء الأخضر للمضي في الاستزراع مرة أخرى؟ وهل أصبح الاستزراع بعد ذلك آمنا وبالتالي انحسر المرض وانقشعت السنوات العجاف التي قدرها بعض المتخصصين ''نظريا''؟. هل كان السبب نقص البروتين في التغذية الذي بدوره يسبب نقص المناعة، فتكون الأسماك أو الروبيان عرضة للإصابة بالمسببات المرضية المختلفة وبدون رحمة؟ هل للتغير المناخي تأثير؟ هل يراقب المشاريع مع المراقبين الميدانيين أساتذة من جامعاتنا مثل جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لضمان سير الشركات ضمن المعايير المحلية والدولية في تأمين الغذاء (محليا أو دوليا) وتحقيق العوائد المتوقعة التي قدرها صاحب المشروع عند بدايته؟
من المعروف أننا كبشر نعتبر جزءا من سلسلة الغذاء، لذلك إذا ما تأثرت طبقة من الكائنات (وهي من مصادر غذائنا) بعيشها في مناطق ملوثة فإننا حتما سنتأثر إذا ما وصل ذلك إلى الموائد أو هدد مشروع الاستثمار. إننا إن أخذنا عاملا من العوامل المؤثرة على الإنتاج السمكي كوجود مواد تؤثر في الخصوبة أو تركيز بعض مواد كيميائية في المياه البحرية أو أحواض الزراعة السمكية، وأصبح ذلك يشكل تهديدا لهذه الثروة، فهل مثل هذه الأخطار منظورة من قبل المراقبين المختصين، ويتم التعامل معها قبل تفاقمها؟ هل نتعامل مع القضية بالاستعانة بخبراء سعوديين أم نجعل القضية في أيدي ''الوفد الدولي'' فتكون العزلة بين الجانبين بأن يبقى علماؤنا لا يعرفون عن الموضوع شيئا ويعود الوفد الأجنبي لينشر أبحاثا عن الموضوع بكل بساطة ولا يعرف ما إذا كان الحل المقدم طويل الأمد أم قصيره؟ انقطاع الأسماك قابل للتوسع في كل الاتجاهات وبدون محددات، فالصيد والاستزراع والعمل على القوارب واستخدام التقنية وصيانة المعدات والقوارب بكل أنواعها وقيادتها والدراسات الميدانية والبحث العلمي، وغير ذلك من أنشطة ومسارات وظيفية تجعله قطاعا حيويا وواعدا اقتصاديا. فلماذا لا تطرق الأبواب الأخرى بالتوازي؟
لقد أصبحت هذه القطاعات في بعض الدول أساسا لا يمكن أن تهمل أو تترك، بل تدعم بكل قوة لأنها من مصادر الدخل وسوق عمل للتوظيف المباشر وتحقيق أمن في الغذاء والصحة والبيئة. فهل لدينا الآن مؤشرات مرجعية محدثة سنويا تقيس تقدم وتطور القطاع، ويتم بذلك إصدار أدلة إرشادية تقوم على متابعة تنفيذها نخبة من المتخصصين السعوديين في مجال الاستثمار الزراعي والحيواني؟ أعتقد أن الجميع متفق على الكيف لا الكم، بحيث لو تحقق انتظام الإنتاج في حدود معينة، ويضمن ذلك التمكن من التغلب على كل الظروف الطارئة، فإن الزيادة المحسوبة لضمان الديمومة أفضل من المتسارعة بطموح يؤثر سلبا على المشروع، ويتضرر المستهلك بسبب لا شأن له فيه.
المستقبل يبشر بخير دائما وليكون أكثر إشراقا، فنحن نحتاج إلى تقييم علمي منشور لوضع الأمن (الغذائي والصحي والبيئي. بعد ذلك تطبيق الضوابط والتنظيمات الكفيلة بحمايته واستدامته وعمل الدراسات بالشراكة مع علمائنا السعوديين في الجامعات. كما نحتاج إلى توحيد الجهود البحثية، فيما يتعلق بزيادة الإنتاج والقضاء على المشكلات المرضية مع ضرورة اتخاذ كل السبل في تشجيع الباحثين وتوفير كل مستلزمات البحث العلمي التجريبي والحرص على نشر الأبحاث العلمية في المجلات المحلية والدولية. الجمعية السعودية للاستزراع السمكي تأسست قبل ثمانية أشهر، ولكن المطلوب منها الكثير من حيث إشراك أعضاء هيئة التدريس المتخصصين وتكون شفافة فيما يتعلق بالمؤشرات وتسميتها والمعايير وتطبيقها وبيئات المياه المختلفة وطبيعتها وحالتها الصحية للأسماك المستزرعة وأخيرا.. قد يرى المهتمون والمسؤولون زيادة الاهتمام بالطب البيطري وعلوم البحار بتخصصاته المختلفة في الجامعات التي تتوافر بها بنى تحتية لذلك. والله الموفق سبحانه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي