وكالات لوزارة المالية في المناطق
تحدثت في مقالي الأسبوع الماضي عن الدور المأمول من وزارة التخطيط وارتباط ذلك بوزارة المالية لتأمين الأموال اللازمة لأي جهة كانت، وكون ذلك يبدأ من القرية ثم المدينة وصولا للمنطقة، فإن هذا الأمر يحتم علينا التفكير مليا في البعد عن المركزية التي لا تشجع على الابتكار وروح المبادرة، وتتصف بالجمود من حيث صعوبة الأخذ بالاقتراحات وإحداث التغييرات التي تصطدم بالبيروقراطية، إضافة إلى انشغال القياديين في السلطة المركزية بأمور ثانوية على حساب المواضيع الحيوية والرئيسة، والبطء في إنجاز المعاملات، نتيجة للروتين الإداري والتعقيد بسبب كثرة الرئاسات المتعددة في الإدارة المركزية.
إن طبيعة العمل التطوعي الذي أمارسه أعطتني الفرصة للتعامل والتعرف على بعض من كبار مسؤولي وزارة المالية، حيث رأيت فيهم الاهتمام بنمو وتطور أجزاء الوطن كافة، ومن جانب آخر حرصهم بشكل غير طبيعي على أموال الدولة لدرجة أشبهها بحرص الإنسان على ماله الشخصي، وهذه شهادة من مواطن عشق وطنه، لكن مع كبر مساحة وطننا الجغرافية التي تفوق مساحة أوروبا الغربية، بل إن مساحة المنطقة الشرقية فقط أكبر من مساحة بريطانيا، أعتقد أنه آن الأوان لتقوية أو تحويل أو إنشاء وكالات لوزارة المالية في المناطق بما يشمل كل أجهزتها حتى صندوق الاستثمارات العامة، دعما لسرعة اتخاذ القرار ولتحقيق التنمية المتوازنة في المناطق بما يشمل القيام باستثمارات اعتمادا على الميز النسبية للمناطق وتحقيقا لهدف الإقلال من الهجرة للمدن الرئيسة ودعم نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأن يكون ذلك بمستوى نواب وزير لكل منطقة، وبالتالي سينعدم البطء في سير العمل، الذي هو ميزة للمركزية التي توجد وحدة تامة في الحلول التي توضع لمعالجة الأمور كافة، بمعنى أنها تضع حلولا موحدة لقضايا قد تكون مختلفة دون الاهتمام بالأوضاع والظروف الخاصة لكل منها، كما أنها تحول دون اتخاذ قرارات ملائمة لطبيعة وظروف الأقاليم والمحافظات، ما يؤدي إلى فشل المركزية في تحقيق أهدافها، لعدم مراعاتها ظروف كل منطقة عن الأخرى.. وكما ذكرت.. بما أن الله حبا وطننا الغالي بمساحة جغرافية كبيرة، فهذا يعني بدوره أهمية عدم اتباع الأسلوب المركزي في الإدارة الذي نتج عنه تعثر كثير من المشاريع والأفكار في عدد من المناطق، بسبب اختلافها الجغرافي والمناخي والمجتمعي بعضها عن بعض، كذلك تتسبب هذه المركزية في تأخير عجلة النمو الاقتصادي، إذ يحتاج القطاع الخاص مثلا إلى فترات طويلة لإصدار التراخيص والقرارات المتعلقة بقطاع المال والأعمال، ما يعني تأخر تحويل أفكارهم لواقع بسبب بيروقراطية عقيمة، ومن ثم زيادة كبيرة في التكاليف، تؤدي بدورها إلى زيادة تكلفة المنتج على المستهلك النهائي.
من وجهة نظري، أعتقد أن إنشاء مثل هذه الوكالات الخاصة بوزارة المالية سيؤدي إلى دور كبير في التطور والنمو في جميع المناطق والمحافظات على السواء، إضافة إلى توافق أولويات التخطيط وطريقة تقديم وحجم الخدمات مع تطلعات واحتياجات سكان المدينة أو المحافظة أو حتى القرية، حيث يعتبر ذلك انطلاقة نحو اللامركزية، ومنح المناطق صلاحيات وسلطات تمكنها من مواجهة المتغيرات والمستجدات المحلية، وتلبية احتياجات السكان، واستغلال الموارد والمقومات المحلية والميز النسبية لدى كل منطقة.