البطالة ما بين المسكنات والحلول الجذرية
البطالة آفة خطرة وسوسة تنخر في بناء المجتمع، فتهز استقراره وتبدد أمنه! إنها سبب من أسباب الفقر وحافز من حوافز الجريمة، وجرثومة تؤدي إلى المرض والاكتئاب! لذلك لا بد من معالجتها ليس فقط باستخدام المسكنات التي تسكنها لفترة محدودة، لكن من خلال الحلول الجادة التي تلامس جذور المشكلة.
لا شك أن هناك جهوداً مشكورة تُبذل هنا وهناك، مثل برنامجي نطاقات وحافز. والبرامج لا بد أن يكون لها بعض الأثر الإيجابي، لكن الخشية أن تؤدي بعض هذه الحلول العاجلة إلى ''بطالة مقنعة'' في الجهات الحكومية، وقد تمتد للقطاع الخاص الذي أصبح يُوظف المواطن من أجل تحقيق الحد الأدنى المطلوب من قبل وزارة العمل.
إن البطالة المقنعة يمكن أن تكون كالسرطان الذي يأكل الأخضر واليابس، لأن وجود حبة فاكهة فاسدة يمكن أن يؤدي إلى فساد الفاكهة بالكامل. والخشية أن يؤدي وجود أعداد أكبر من حاجة العمل إلى خفض الإنتاجية الفردية، وكذلك التأثير سلباً في العاملين الجادين والمخلصين، خاصة أن العمل في القطاع الحكومي لا يخضع لتقييم الأداء بدقة ولا توجد حوافز إضافية Bonuses للموظفين الجادين!
يُقابل هذا التكدس المخيف في بعض الجهات الحكومية، ضعف مشاركة القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وغيابها شبه الكامل في القطاعات والمهن، خاصة قطاع تجارة الجملة والتجزئة، ما يثير الاستغراب والتساؤل: هل طبيعة العمل في هذه الأنشطة تتطلب مهارات لا تتوافر لدى المواطن؟! هذا التساؤل على خطورته لا يثير اهتمام وزارة العمل ولا يحرك ساكناً.
إن وجود إرادة قوية تقتضي اتخاذ قرارات حاسمة لسعودة هذا القطاع والقطاعات المماثلة دون إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد، خاصة أن بعض المنشآت الصغيرة في هذا القطاع هامشية لن يتأثر السوق أو المواطن من غياب كثير منها، لأنها تسوّق سلعاً مقلدة ورديئة وتعتمد بالكامل على العمالة الوافدة! هذا إذا كانت الوزارة ترغب في السعودة بجدية! ومن الغريب أن بعض الإحصاءات الرسمية تُشير إلى وجود عجز في القوى العاملة الوطنية في مهن أعمال البيع، ما يعكس قراءة خاطئة للواقع!
وفوق هذا وذاك، أن غياب الإحصاءات الدقيقة وإحاطة ما يتوافر منها بالسرية والكتمان لا يؤدي إلى إيجاد حلول جادة وناجعة! إن الشفافية وتمكين الباحثين والمؤسسات العامة والخاصة من الإفادة من البيانات مطلب وطني، وذلك من أجل المشاركة في فهم أبعاد هذه المشكلة (وغيرها) واقتراح الحلول المناسبة! فلا ينبغي أن تطبخ الحلول (أو أنصاف الحلول) بمعزل عن المفكرين والمتخصصين ومراكز الأبحاث الوطنية!